الخميس، 21 مارس 2013

كما تكونوا يولى عليكم

 كما تكونوا يولى عليكم...
 
 
ميدل ايست أونلاين
بقلم: عصام الدين الراجحي
كان لي حوار شيق آخر الأسبوع مع أستاذي بالجامعة، شخص احترمه كثيرا وإن اختلفت توجهاتنا السياسية، خضنا نقاشات حول الوضع الراهن بالبلاد ولكن ما بقي راسخا من كلامه جملة ظلت عالقة بذهني "كل شعب يستحق من يحكمه".
استحضرت ما عاشته تونس من عقود من القهر والظلم والقمع والاستبداد في عهد النظام الفاسد،عاش الشعب مكبوتا مقهورا لا يتكلم لأنه كان محكوما بالحديد والنار، إلى أن كسر حاجز الخوف في كل شيء وتنفس نسائم الحرية ولكن هل قطع مع رواسب الماضي وتحمل مسؤولية البناء؟
كتبت مرارا وتكرارا عن الثالوث المقدس في تونس: بشائر مشروع النهضة الاستبدادي، الخور الحكومي والاستقطاب الثنائي الخطير على البلاد ونقدت وانتقدت عن حكمة وعن عاطفية فكان كلامي حبا للوطن وخوفا على شعبه، ولكن أليس لنا أن نخاف على الوطن من شعبه؟
صحيح أننا نعيش أسوأ لحظات حياتنا مع هذه الحكومة المباركة، صحيح أن مشكلتنا اليوم أن الموكل إليهم حل مشكلة الوطن هم أنفسهم المشكلة. وصحيح أن حزب النهضة اعتمد على خطة للسيطرة على مفاصل الدولة، طالما خضعت هذه الأجهزة فكل شيء سهل ويسير. وان صعبت المهمة فالفتوى الديلفري جاهزة وربي يفضلنا الشيخ: من يثور على حكمنا إنما يثور ‏على الإسلام...
ولكن ألم يقصر الشعب في أداء واجباته في التغيير الحقيقي وبناء الوطن؟
يرى الكثير من دارسي علم الاجتماع أن التغيير يبدأ من داخل الناس، وأن ما في داخلك ينعكس على ما في خارجك، و"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"> وأن "كما تكونوا يولى عليكم"، وهنالك أيضا نظرية غربية تقول أن الحاكم هو انعكاس للشعب، فمثلا رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون يمثل النموذج البريطاني الشائع في تلك البلاد، فلو تأملت في شخصيته وتأملت في شخصية أغلب البريطانيين وآلية اتخاذ القرار عند المواطن لرأيت تشابها كبيرا بينهما، وكذا في كل دولة ستجد أن رئيسها يمثل النموذج الشائع في المجتمع، لو كان أغلب الشعب طماعا ستجد أن رئيس البلاد طماع أيضا، ولو كان أغلب الشعب عصاميا ستجد إن رئيسهم عصامي، وقد يتبين ذلك عند الرئيس الأميركي مثلا، فكما تكونوا يولى عليكم، فلا تغضب إذا من الحكومة إذ أن شعبها هكذا، ولا تغضب من الحاكم لأنه انعكاس تلقائي للشعب، لو أتينا بشعب منظم كالشعب البريطاني، وأحللناه مكان شعب فوضوي تحت حكومة فوضوية، وأبقينا على الحكومة الفوضوية، فماذا سيحدث بعد فترة؟
ستصبح الحكومة منظمة قسرا، لأن الشعب منظم، يعني لو أخرجنا شعب تشاد مثلا ووضعنا بدلا منه الشعب البريطاني فماذا سيحدث في التنظيمات الحكومية والمؤسسية للبلد؟ فكر قليلا وجاوب مع نفسك.
إذا فالانطلاق من الشعب، والحاكم إنعكاس للشعب، فلو تغيرت الحكومات ألف مرة وكان الشعب بنفس العقلية والمساوئ ولم يتغير فلن تتغير الدولة، ولن تتطور أبدا،فإن لم يتغير وعي الشعب فلن يتغير شيء، وإن لم يتغير وعي الشعب فسيعيدون أخطاءهم، وسيختارون الرجل الخطأ الذي يجعجع بمبادئ الحرية والعدل كما نادى من قبل زعماء ما قبل ثورة 14 يناير، فقد كان لهم كلام يبكي في الحرية والعدالة، وبإمكانك أن تنظر في إختيار الشعب لنوابهم الحاليين وأحزابهم،لتعرف إن كان الوعي قد تغير عندهم أم لا.
فكما يختارون الآن النواب الخطأ، فسيختارون كذلك مستقبلا الحكام الخطأ لأنهم محتارون أصلا وليس لديهم تصور واضح عن المستقبل، بل ليس لديهم أي تصور عنه، فامسك الآن أحد الثائرين على حكم النهضة واسأله عن الرئيس القادم الذي يريدون أن يستبدلوا به اللارئيس الحالي، فستجد إجابته غير واضحة! وبعضهم يقول أي شخص غير هؤلاء، وبعضهم يقول: ربما يأتي من هو خير منهم. وهو بالضبط ما كان يحصل في كل مرة سابقة،فالحل إذا: هو أن تغير من وعي الشعب حتى يقرر الصواب.
المشكلة أن أكثر الناس يحكمون عاطفتهم ولا يحكمون عقلهم!
هذه العاطفة التي نراها اليوم جعلت من المواطن ضحية تحت سيطرة غيره؛ سيطرة تمنعه من القدرة على فعل أو قول ما يريد بل تلقائيا يبحث في سيده عن أي إشارة ولو كاذبة، تعطيه إحساس بالاطمئنان لهذا الجاني المعتدي، كلما زاد أمد سيطرة السيد على الضحية تقبلت لفكرة خضوعها له، وقد يتطور الأمر عن مجرد الشعور بتقبل الجاني إلى محاولة إرضائه، وقد يتطور الأمر لحمايته وإنكار أنه قام باضطهاده وهو ما يتراءى لنا في ثقافة القطيع التي يمارس طقوسها أتباع سياسينا حكومة ومعارضة.
إذا هي سنة المجتمعات التي تقع تحت الحكم القمعي الظالم لفترات طويلة حتى إنها لا تستعذب الحياة بدون هذا الحكم؛ فهو كان يفكر لها ويقرر لها ويقوم بالتنفيذ مستغلا لها، وتكتفي هذه المجتمعات بما يسمح به لها ذاك النظام الديكتاتوري الظالم من أسباب الحياة، وقد اعتادت هذه المجتمعات على هذه الحياة وتقبلتها، ولا يعني تململها بين الحين والآخر أنها مستعدة للتغيير أو التخلص من قبضة الخضوع القسري للدكتاتورية.
إن الحاكم إنما هو نتيجة، وليس سببا، وكما تكونوا يولى عليكم.
فالحرص كل الحرص على إصلاح أنفسنا، وبعد ذلك يخرج الحاكم الصالح من بيننا بطريقة منظمة ليحكمنا. لأن الحاكم هو نتيجة لتصرفات شعبه وطباعه.
إن أردنا من الأوضاع أن تنصلح فيجب اصلاح الذات والثورة على النفس وتربية المواطن المتيم بحب وطنه والساعي لنهضته الحقيقية لأنه في الأخير سيصنع مسؤولين أكفاء من أبناء هذا الشعب،من الطبقة الكادحة قادرين على بناء ربيع تونس.
فليس العبرة في الصلاح ولكن العبرة بالإصلاح، والإصلاح لا يعني الصلاة والصوم فقط بل انه تخدير للناس بالدين إذا كان هذا فقط ما يدعو إليه المصلحون وإنما مقاومة الظالمين وفسادهم وكل يبدأ بنفسه.
لم يعد يجدي تبرير أزمة الوطن أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية، وأن مؤسساتها الجديدة لم تكتمل بعد، وأن ميراث النظام السابق ثقيل، فتلك العوامل تفرض نهجاً وطنياً عاماً تمتد فيه الأيدي بعضها إلى بعض، وتفرض شراكة بين الشعب والقوى الوطنية، وتفرض تفاعلاً ديناميكياً مع الواقع الجديد.
علينا أن نفرق بين الاختلاف فى وجهة النظر وبين التعصب والتشرذم، والحل فى ذلك هو أن نضع مصلحة تونس نصب أعيننا، وتغليب المصلحة العامة على مصلحتنا الشخصية وعلى أهوائنا، ووضع النقاط على الحروف بوضوح، وعدم العودة للفساد من سرقة ونهب والذى كان يمارس فى ظل النظام السابق، أيضاً لا ينبغى أن يقتصر الإنتاج والاستثمار والعمل على فئة معينة بل يجب أن يتسعا ليشملا الجميع.
فلا تقاس الدول بكثرة السكان أو بالغنى ولكن بجودة أفرادها وتحضرهم بصرف النظر عن خلفياتهم فجودة الفرد تعني الجدية في العمل وتحمل المسؤولية واستشعار الأمانة تجاه الوطن بالعمل الجاد المخلص لأجل الوطن وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية.
لن نتقدم إلا إذا كان الشعب مثل خلية النحل في بناء الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;