الخميس، 21 مارس 2013

اختار بإرادته أن يكون إماما ولكن أختار كذلك أن لا يكون نهضويا

اختار بإرادته أن يكون إماما ولكن أختار كذلك أن لا يكون نهضويا
 
 
ميدل ايست أونلاين
بقلم: عصام الدين الراجحي
"وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً" هدف واضح وغاية سامية ومهمة نبيلة حددها القرآن لبيوت الله، وأمر الله مرتاديها أن يتحركوا داخل إطارها وحذرت الآية الكريمة القائمين على المساجد من ان ينحرفوا بمسارها من الدعوة لله وحده إلى الدعوة مع الله أحداً غيره.
عبادة الله فهماً وأداءً وتذكيراً هي ما يجب أن يحصل عليه المؤمن حالة وجوده في بيت الله، وبالتأكيد فإن المساجد في الإسلام ليست للعبادة بمعناها الضيق «أداء الصلوات الخمس فقط» بل هي للعبادة بمعناها الشامل، أن يكون الله حاضراً في أذهان المصلين في جميع أوقاتهم ومختلف شؤون حياتهم، ان يلج المسلم الحائر إلى المسجد بأسئلة تائهة ليخرج بأجوبة شافية جامعة ومبسطة، ان يهرب المؤمن من هم البيوت وقلق الشوارع وأرق الحزبية وصخب السياسة وضنك الدائن والمؤجر والتاجر.. الخ إلى أقرب مسجد ليجد راحة النفس وطمأنينة القلب وسعادة البال.. لكن هل نجد كل هذا في مساجدنا!!.. واقعها ينفي ذلك.
لقد حاول البعض تحويل وجهة المساجد من التذكير بجلال الله وقدرته وعظمة الإسلام وقيمه وتعاليم نبيه.. إلى التذكير بجلال الأحزاب وقدرة الزعيم الأوحد وعظمة أفكاره وجهوده.. ومن التذكير بمبادئ الإسلام الجامعة وقيمه العامة التي تبني وتجمع وتؤاخي إلى التعصب لآراء الأشخاص والهيئات والمذاهب التي تهدم وتشتت وتفرق.. الواقع يؤكد أن غالب مساجدنا غائبة أن لم نقل مغيبة عن مهمتها الحقيقية لصالح أهداف الحزب الحاكم.
وعلى مايبدو فإن غالب خطبائنا في إجازة عقلية غير محددة.. فبعضهم يعتلي المنابر بأوراق أو مفاهيم جاهزة المضمون ومحددة الملامح آتية من مقراتهم التنظيمية وآخرون يعملون ضمن أجندة مذهبية تأزيمية أو طائفية تحريضية.. ومنهم مشغول بنهم أسماء بعينها غيبةً ونميمة وتشكيكاً في العقائد..الخ إننا نهرب من الغيبة والنميمة في الشارع والبيت لنجدها مشرعنة في المسجد.
مساجد تونس عاشت زمناً غير بعيد من الاحتكار الحزبي لمنابرها حتى أضحت تسمى وتكنى بالمسجد الشعبة أو لجنة التنسيق، وكانت أكثر تحزباً من مقار التجمع يصعد الخطيب المنبر ناصحاً المصلين بانتخاب وطاعة الرجل الصالح بن علي بينما أنصاره يوزعون صوره أمام الباب.
اليوم لا يختلف الوضع بل أكثر قتامة وسوف أنطلق من حادثة تلخص الوضع المأساة، شاب ملتزم يتقدم لمناظرة الأئمة فينجح يعين بقرية قريبة لمدينته وقبل المباشرة يطرأ شغور في مسجد مدينته فيتقدم بمطلب نقلة ويحالفه الحظ ويعين مبدئيا الى حين البت في المسألة نهائيا من الوزارة.
عام ونصف والمسكين يعاني الويلات ودسائس الحزب الحاكم لا لشئ الا "عدم نهضويته" وكرهه للسياسة والتحزب لكن العلة لدى الرأي العام صوته وكأن البديل الجاهز النهضاوي بعبدالباسط عبدالصمد. نفس الممارسات السابقة تتكرر كمحاولات استقطابه وعند الرفض التخطيط لإزاحته بل المصيبة وفي اطار نهضوة الادارة مكالمة من الوزارة واردة على المكتب المحلي لحزب حركة النهضة ب مدينة برقو لاستشارتهم في التعيين والنتيجة... هذا الشاب المسكين محروم من جرايته مدة 18 شهرا وهو الفقير العائل لوالدته المسنة وزوجة وطفلين.
آخر الممارسات عدل منفذ مرسل من طرف عضو مكتب جهوي للنهضة للإمام وتهديده على الملأ لترك منصبه وإلا سوف يحاسب الحساب العسير.
لم يستطع الواعظ المحلي المغلوب على أمره رغم طيبته مقاومة الهجمة الشرسة وانخرط دون أن يدري في سياسة نهضوة جامع برقو ومساعدة بعض الأطراف التي تريد أن تقتنص العنوان الإسلامي وتصور أنها هي المسؤلة عنه والممثل له.
إن الضرورة تستدعي تحييد المساجد عن الاحزاب، مع المحافظة على دورها الديني وحمايتها من التغوّل السياسي، غير أنه مطلوب في مقابل الاهتمام بـ'قضايا الأمة الإسلامية ومشاكل المؤمنين كما أمر ديننا ورسولنا الكريم وليس كما أمر الغنوشي واللوز'.
أتمنى من الواعظ المحلي أن يفرق بين دور المسجد كمؤسسة دينية وبين ميوله واتجاهاته ونزعته السياسية. لقد انضم إلي قافلة «تحزيب المساجد» التي انطلقت بعد صعود النهضة إلي الحكم علي ظهر شباب ثورة الحرية، واتخاذها من دماء الشهداء سلما لبلوغ أهدافها.
أبكي اليوم على وطني، عندما علمت بان هناك مصلين انقسموا فريقين خلف إمامين مختلفين في مسجد واحد، تماما كما انقسمت تونس سياسيا ودينيا بفعل تأثير دعاة الفتنة.
لقد قال رسول الله «جنبوا مساجدكم خصوماتكم ورفع أصواتكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم».. ونهي المصطفي عن جعل بيوت الله موضعا للبيع والشراء بقوله لمن كان يعقد صفقة تجارية بالمسجد «لا ربحت تجارتك».
وكان أحرى بصديقنا الواعظ وهو يعلم أن الإخلال بما جعلت المساجد له، إثم عظيم أن ينأي بالمسجد عن أي قول أو فعل يسيء إليه، أو يقود المصلين إلي التهلكة.
أتمنى أن يصل صوتي للجهات المسؤولة لإصدار قرار تحييد المساجد عن الأحزاب كما أتمنى لفتة كريمة لهذا الشاب الذي اختار بإرادته أن يكون إماما ولكن أختار كذلك أن لا يكون نهضويا.

عصام الدين الراجحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;