الخميس، 21 مارس 2013

لا تكن فردا من القطيع...

نهضوي أكثر من النهضويين: لا تكن فردا من القطيع...
 

ميدل ايست أونلاين
بقلم: عصام الدين الراجحي
تنوع المشهد السياسي بعد ثورة الحرية بحيث اتسع ليشمل شريحة أكبر من الفاعلين داخل الفضاء العام بتونس. وقد برز بشكل خاص نشاط الفاعلين السياسيين الإسلاميين وتنامي دورهم السياسي والاجتماعي على تعدد مشاربهم الفكرية والعقدية جمعهم استخدامهم النصوص والمرجعية والرموز الإسلامية في تحديد هويتهم ورسم الأطر العامة لنشاطاتهم داخل الفضاءات الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية، فمنهم من يستخدم الإسلام كنقطة للمرجعية دون تبني أجندة إسلامية مع التأكيد على أن هذه القيم متوافقة مع الحداثة والديمقراطية والبعض الآخر يسعى لتأسيس نظام سياسي إسلامي محكوم بمبادئ الشريعة الإسلامية.
هذا التعدد إلى حد الاختلاف وأحيانا التضاد صلب العائلة الإسلامية ينقلب بقدرة قادر مع كل تهديد تواجهه الحكومة إلى صف واحد ضد من ينعتونه بالعدو وان كان الشعب.
يحيرني كثيرا علاقة العشق الممنوع بين باقي الإسلاميين والنهضة بل موقفهم المؤيد لها على طول الخط! فموقف الغنوشي مثلا من السلفيين والحب الظاهري والعشق المزيف لهم موقف مفهوم لأنه يستغل السلفيين وشعبيتهم الكبيرة وسط الأحياء كاحتياطي استراتيجي وقت اللزوم. لكن ما يدهشني هو موقف رموز التيارات الإسلامية المحافظة والتقدمية وبالأصح نجومها الذين ينحازون للنهضة أكثر من النهضويين أنفسهم، ويرضون بدور التابع المبرر ويحصدون كراهية النهضة التي تزيد في الشارع يوماً بعد يوم وتتجه إلى صدورهم؛ لأنهم محسوبون أو حسبوا أنفسهم على النهضويين فأصبح البعض مثلا «نهضة» بدون انخراط، والمشكلة الحقيقية التي أرجو من الجميع فهمها هو أنكم لا يمكن فى يوم من الأيام أن تكونوا منهم لأن النهضة قدس الأقداس والفرقة الناجية التي لا يدخلها إلا أصحاب الدم الأزرق من أبناء الجماعة.
كلامي هذا ليس بمنطق الاقصاء ضد أبناء النهضة فمنهم رجال صدقوا يرفعون راية الحق ولكن كثير منهم يمارسون سلوكيات الحزب المنحل، من خلال تنظيم مليء بالمؤامرات والأحقاد والصراعات ومحاولات تحقيق مصالح خاصة بعيدة كل البعد عن الإسلام حتى وإن نسبوا لأنفسهم أنهم من يمثل الإسلام فقط بمجرد حمل بعض الشعارات التي تخفي وراءها نهم وجشع كبيران للسلطة وطاقة رهيبة للعمل ليلا نهارا للحفاظ عليها بدل إنقاذ البلاد.
فهل اظلم إن قلت لا يتقبّل الجماعة وأنصارها الرأي المخالف، بل غالباً ما يبدءون بكيل تهم الخيانة والماضي التجمعي ومعاداة الدين والعلمانية الملحدة لكل من ينتقدهم، وفي كل مرة يردون على النقد بالتذكير بنجاحهم بنتائج الانتخابات، مع أن هذا ليس مؤشراً حقيقيا لأن الشعب أعطاهم أصواته بنسبة عالية بنزعة عاطفية بل ويظن جمع من المواطنون أن انتخاب مرشح النهضة هو من مداخل التقرب لله سبحانه وتعالى.
بل نفس المواطن الصالح يرى من الحكمة الإلهية التقارب الإخواني الأميركي وتحقيق الأجندة الأميركية، قد لا يكون ذلك إيمانا منه بهذه الأجندة لكن ربما كان الغاية عنده تبرر الوسيلة لأجل الوصول للحكم وبالتالي لا تمايز بينها وبين الأجندة النهضوية الهادفة للاستفراد بالحكم.
فهل أن الجماعة التي كانت كالقمر في عيون الناس وهبطت فأظلمت المكان ورآهم الناس على حقيقتها استطاعت بخلاف الرش والعمى تحقيق وعودها للجماهير.
لم يعد خافيا أن وعود 'التغيير' التي بشر بها النهضويون في حملاتهم الانتخابية،و قد كنت واحدا منهم ومنسق إحدى حملاتهم، والمتمثلة في شعارات كـ'مشروع النهضة' و'برنامج الثورة ذو 365 نقطة'، لم يتفرع عنها مشروع سياسي متكامل، فالبرنامج الذي خاضوا به الانتخابات اتسم بالعمومية، وخلا من أي تعريف لأولويات المرحلة، أو برنامج عمل يتناول إطارا زمنيا محددا أهو لسنة أو لأربع سنين، بل تم التركيز على الشعارات كوصفه بالمشروع المتكامل الذي سينقل تونس إلى مصاف الدول المتقدمة.
ولم يستند الجماعة ـ فيما قدموه من وعود في كل مرحلة ـ إلى فهم منضبط للواقع يضبط سير العمل ويساهم في تحقيق الإنجاز ويجعل الوعود ممكنة التطبيق وبسبب هذا الفقر السياسي والمعرفة الاقتصادية، فوجئ الغنوشي وأتباعه في كل مرحلة بتحديات لم تكن في حسبانهم، ومنعهم غياب المشروع والرؤية المتكاملة من التعامل معها بفاعلية، فكانت سببا إضافيا منعهم من إنجاز ما وعدوا به، ثم كان أن تذرعوا بوجود هذه التحديات لعدم الإنجاز، مع أن وجودها معلوم سابق لإطلاق الوعود، ومن ثم فالتذرع بها هو عذر أقبح من ذنب.
لقد انتظر الناس منهم الوفاء بوعود علاج المشكلات الاقتصادية وإنجاز بعض مطالب الثورة، ولكن لم يظفروا جراء سياسة العمى المتبعة سوى البؤس والتمزق الوطني والاحتراب السياسي وغياب أي رؤى اقتصادية وإحباط شعبي غير مسبوق وشماتة الكارهين للربيع العربي وحكومة فاشلة حتى لا نقول وصف آخر وغياب اليقين بالمستقبل وشعور بالخوف على تونس بدأ يتسلل إلى الجميع، ثم بعد ذلك إذا وقفت وقلت يا ناس راجعوا أنفسكم وأنقذوا الوطن واخرجوا من عباءة الجماعة والشيخ إلى رحابة الوطن، يقولون لك: ما الذي غير كلامك وموقفك؟!!، لقد كنا نعلم ونرصد مظاهر الخلل والفساد السياسي التي تتنامى منذ حادثة 9 أبريل وقلنا لعل الأوضاع تنصلح، لكنّا فوجئنا بأننا أمام رئيس وحكومة أسيران أمام وحش ملتهم للسلطة، هو لا يتصور أنه رئيس حزب، يتصرف كمرشد تنظيم ديني بكل رؤاه وحساباته وأفقه الضيق ومصالحه ورجاله وشهوته الطاغية للهيمنة وإقصاء الآخرين، ومنذ اللحظة التي فتح فيه الجبالي دولاب الدولة وسلم مفاتيحه لنفوذ جماعته، وبدأ يتحول من رئيس لحكومة تونس إلى أسير مرشد النهضة، والناس تفهم والناس ترصد والناس تشعر والناس ليست بالغباء الذي يتصوره كبار شخصيات النهضة في استعلائهم وكبرهم، فبدأت رحلة الانفضاض من حولهم، وكل يوم يخسرون قطاعًا من الشعب، وكل يوم تتآكل مساحة حركتهم، وكل يوم يفقدون جزءًا من قدرتهم على إدارة الدولة، أضف إلى ذلك التخبط في قرارات والرجوع عنها لأن "المطبخ" الذي كان يعتمدون عليه مطبخ هواة ومغامرين، وليس مطبخ كفاءات قانونية وسياسية تتعامل بمنطق الدولة.
مشكلتنا اليوم أننا شعب يسهل انقياد عقوله لما يريده ذاك الزعيم أو ما تقوله تلك الجماعة، فقولهم ممتزج بعاطفة وطنية أو دينية قد أحسنوا اللعب عليها فغدت مخالفتهم إما خيانة وإما كفراً. وصار حال من أراد التفكير كفرد من قطيع ابتعد عنه فصار صيداً سهلاً لجماعة الضباع المسلحة بمخالب التكفير والخيانة.
ولكن أقولها للمرة الآلف أننا لم نخلق لنرضى الخلق بل لنرضي خالقنا.. والإسلام لا يمثل النهضة والنهضة لا تمثل الإسلام.
وخلاصة القول: نحن لا نعادي النهضة بل نحن ضد سياستها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;