الاثنين، 25 مارس 2013

زواج المتعة... أميركا والإخوان إلى أين ؟

زواج المتعة... أميركا والإخوان إلى أين
 
هل انقلب الإسلام السياسي على الإسلام، كما انقلب اليسار الطفولي على اليسار الحقيقي؟
 
ميدل ايست أونلاين
بقلم: عصام الدين الراجحي
يمثل مصطلح الفوضى الخلاقة أحد أهم المفاتيح التي أنتجها العقل الاستراتيجي الأميركي في التعامل مع قضايا الوطن العربي، حيث تمت صياغة هذا المصطلح بعناية فائقة من قبل النخب الأكاديمية وصناع السياسة في الولايات المتحدة، فعلى خلاف السائد لمفهوم الفوضى المثقل بدلالات سلبية أضيف إليه مصطلح آخر يتمتع بالإيجابية وهو الخلق أو البناء، ولا يخفى على أحد خبث المقاصد الكامنة في صلب مصطلح الفوضى الخلاقة بغرض التضليل والتمويه على الرأي العام العربي والعالمي.
وهو ما عبر عنه مشروع "التغيير الشامل في الشرق الأوسط" الذي أعده مايكل ليدين - العضو البارز في معهد أميركا انتربرايز عام 2003، وارتكز المشروع على منظومة من الإصلاحات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية الشاملة لكل دول المنطقة، وَفقًا لإستراتيجية جديدة تقوم على أساس الهدم ثم إعادة البناء، بدأت الإدارة الأميركية في تفعيل المشروع منذ العام 2007 وردده كبار مسئوليها الذين كانوا بحاجة إلى أدوات لتنفيذ المخطط وإلى عرابين للترويج له ولم يكن أفضل من قطر وتنظيمات الإخوان المسلمين في مصر وتونس وسوريا.
مما يؤسف له أن هذه الحركات الإسلامية التي ترفع شعار الإسلام، أصبحت ما بين المتلذذ بالحضن الأميركي، أو المتلهف على زواج المتعة معه، والتي ترى من التبعية لأميركا العمود الفقري في سياساتها، والأهداف التي تطمح في الوصول إليها.
تشير السوابق التاريخية إلى أن الجماعة منذ أن تم اختراقها فرطت في مبادئها وهجرت وطنيتها وعروبتها وأدمنت عقد الصفقات ونامت مع الخيانة في سرير واحد وكان المبدأ الذي تعلمته هو أن مصلحة التنظيم الإخواني مقدمة على مصلحة الوطن.
لم يعد خافيا على أحد أن حركة النهضة مثلا ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، ومن الواضح أن هذه العلاقات لم تتشكل في العامين الأخيرين بعد اندلاع الثورات العربية بل هي علاقات قديمة وخير دليل زيارات السفير الأميركي الشخصية للسيد حمادي الجبالي في بيته منذ 2009 أو التردد الدائم للقيادي زياد الدولاتي على السفارة الأميركية منذ سنة 2005، بل إن عددا من السياسيين والمفكرين يؤكدون أن الولايات المتحدة هي من ساعدت جماعة الإخوان على الوصول إلى مقاعد الحكم في دول الربيع العربية وبخاصة في مصر وتونس.
من هؤلاء كان المفكر العالمي نعوم تشومسكي الذي أكد "إن الولايات المتحدة ستقبل التعايش مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس إذا كان ذلك يحقق مصالحها"، مشيرا إلى أنها لا تهتم بالصراع مع الأديان بقدر اهتمامها بمصالحها. وأضاف "واشنطن قد تقبل بالتعايش مع جماعات الإخوان المسلمين إذا تبنت الأخيرة السياسات (النيوليبرالية)" مشيرا إلى وجود مصالح معهم، لأنها لا تجد مشكلة في التحالف مع أحد إذا كان ذلك يحقق مصالحها.
وأشار تشومسكي أن القوى الغربية المتحالفة مع الولايات المتحدة لن تسمح بانتشار الديمقراطية في البلاد العربية لأنها تتعارض مع مصالحها، وأنهم سيستمرون في دعم الديكتاتوريات الناشئة في العالم العربي، وذلك لأنهم يعلمون أن الرأي العام في البلاد العربية يرفض ويعارض السياسات الغربية والأميركية.
فالإدارة الأميركية وبسبب بحثها عن مصالحها وليس من أجل تحقيق الحرية والتقدم في البلدان العربية والمسلمة قد تكون صديقة ودودة لطرف ضد طرف آخر ثم نجدها تنقلب رأسا على عقب فتعادي صديقها السابق وتصادق الذي كان عدوها في الأمس مثل ما كانت تصادق وتدعم جماعة القاعدة في أفغانستان أيام الثمانينيات من القرن الماضي من أجل أن تكون أداتها التي تحارب بها الاتحاد السوفيتي السابق ثم أصبحت هذه الجماعة عدوتها في حربها المزعومة ضد الارهاب في بداية القرن الحالي. كما أنها كانت تساند الأنظمة العربية ضد جماعة الاخوان كونها تعتبرها من الجماعات الداعمة للإرهاب وها هي تساند وتدعم جماعة الاخوان في بلدان الثورات العربية وغيرها من البلدان العربية من أجل الوصول للسلطة.
للضرورة أحكام وإلا كيف للإدارة الأميركية مساندة الإسلاميين وهي منذ وقت قريب تناقش ما إذا كان العدو الأول لأميركا هو الصين أم الإسلام؟
التنظيمات الإخوانية تريد من أميركا أن تشق لها طريق السلطة، فماذا تريد أميركا من هذا التعاون.
لأميركا هدفان الأول أمن إسرائيل وضمان مستقبلها عن طريق ترسيخ معاهدات السلام بين العرب وإسرائيل. والثاني هو مقاومة الإرهاب الذي يستهدفها ويهدد أمنها الداخلي والخارجي.
الإسلاميون "المعتدلون" هم الأقدر على ذلك. فأميركا لا يزعجها ان تقتصر "إسلامية" النهضة أو الإخوان على ارتداء زوجة الرئيس للحجاب، طالما أن التزاماته تجاه الحلف الأميركي مستوفاة، والاتفاقيات العسكرية والأمنية والاقتصادية محترمة، وبالتأكيد لن يزعجها ان تقتصر "إسلامية" بعض القوى على إطالة اللحى إذا ما ارتضوا الارتباط بالأطلسي، واتخذوا موقفاً حيادياً من العدو الاسرائيلي كحد ادنى.
هذه هي الأوراق التي يستطيع الإخوان تقديمها لأميركا ثمناً للسلطة. وعند رفضها يجف الدعم وينتهي دور الإخوان في نظر أميركا بإظهار فشلهم في تقديم الحلول المطلوبة وينفض الناس من حولهم ويسهل التخلص منهم كما تتخلص من كل أصدقائها عندما تنتهي مهامهم وهو ما يتهددهم اليوم خاصة بعد طرح مشروع تجريم التطبيع في الدستور التونسي وردة الفعل الأميركي وتراجع النهضة وتبريرها الغبي للشعب.
الذين يظنون أن ما صنعته أميركا بالعراق من احتلال وتقسيم وما جرى في السودان من تقسيم له دوافع وأسباب مصطنعة، وما يجري في سوريا وعموم المنطقة العربية من أحداث مأساوية وفوضى، أمرًا مفاجئًا جاء وليد الأحداث التي أنتجته، ولكن الحقيقة الكبرى هي أن ما يحدث الآن هو تحقيق وتنفيذ للمخطط الاستعماري الذي خططته وصاغته وأعلنته الصهيونية والصليبية العالمية، لتفتيت الوطن العربي والعالم الإسلامي من خلال سياسات واستراتيجيات ومشاريع باتت مكشوفة للعالم وان تغيرت بنودها وتوقيتات طرحها، فهي تستهدف القضاء على الإسلام وتجزئة الوطن العربي والاستحواذ على ثرواته ومقدراته والتحكم فيه حاضرا ومستقبلا وتحويله إلى فسيفساء ورقية يكون فيها الكيان الغاصب السيد المطاع، واستهداف الأمة والوطن ومستقبل مواطنيها وحضارتهم وخاصة الشباب الذين هم عماد الأمة وصانعو قوتها وحضارتها ونهضتها، والذين يتعرضون إلى محاولات عمليات غسل دماغ خطيرة بهدف تغيير قاعاتهم وخداعهم وتضليلهم.
الإسلام في الجوهر ضد القهر والذل والطغيان الخارجي، وليس هناك أسوأ من طغيان وجبروت النظام الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، فهو الذي يحتضن الكيان الصهيوني مغتصب أرض فلسطين، ومحتل قدسها، وأميركا نفسها التي غزت العراق واحتلته ودمرت كيانه السياسي، ومزقت نسيجه الاجتماعي، وأشاعت ثقافة القتل، وأميركا نفسها هي التي تحيك كل المؤامرات ولها مآرب عدوانية في سوريا ولبنان والسودان وليبيا، وفي كل مكان من الوطن العربي.
أي إسلام هذا الذي تركبه هذه الحركات، والتي تجاهر بالصداقة مع أميركا والتحالف معها، تحت شعار تلعب سياسة، وأي سياسة هذه التي تتجاوز الثوابت؟ وتدوس على كل القيم والمحرمات، فهل انقلب الإسلام السياسي على الإسلام؟ كما انقلب اليسار الطفولي على اليسار الحقيقي، وهما يتسابقان لتكون كعبتهم واشنطن ودينهم دولارهم.
اليوم يرفع الإخوان شعارات إسلامية، في حين ينخر فساد العمالة الإقليمية والشعوبية والطائفية زعماءهم.
الإسلام السياسي أصبح من حصة الولايات المتحدة على مستوى الأنظمة والمنظمات، وأصبح الجميع مدجن لخدمة الإدارة الأميركية، وهو ما يتعارض مع جوهر العقيدة، التي جاء بها اطهر خلق الله محمد، ولهذا فلم يعد جمهور المسلمين يثق بهذا النوع من السياسات التي تريد حرف الدين عن توجهاته الحقيقية ولم يعد رفع الشعارات يسمن أو يغني من جوع، فالإسلام دين عمل وفعل في ممارساته،والفعل والعمل ما يخدم الناس وليس ما يخدم أعداء الناس. لأنه ليس هناك أكثر شراسة من العداء للإنسانية، ما تمارسه الامبريالية الأميركية والصهيونية العالمية، فلماذا كل هذا التكالب على صداقتها، وإقامة زواج المتعة معها؟، وهي التي تحتل أرضنا، وتنكل بمواطنينا، وتنهب ثرواتنا، وتقف إلى جانب أعدائنا.
الإسلام السياسي اليوم يجرم في حق الإسلام والمسلمين، في التلذذ بالنوم في الحضن الأميركي، أو الركض وراء زواج المتعة منه، لأنه يشوه الإسلام وحقيقته، ويطعن المسلمين من الخلف، في خيانة حقوقهم، والادعاء بأنه يتنطع للدفاع عنهم، وهو يخونهم في دينهم ودنياهم.
تابع القراءة ←

الخميس، 21 مارس 2013

كما تكونوا يولى عليكم

 كما تكونوا يولى عليكم...
 
 
ميدل ايست أونلاين
بقلم: عصام الدين الراجحي
كان لي حوار شيق آخر الأسبوع مع أستاذي بالجامعة، شخص احترمه كثيرا وإن اختلفت توجهاتنا السياسية، خضنا نقاشات حول الوضع الراهن بالبلاد ولكن ما بقي راسخا من كلامه جملة ظلت عالقة بذهني "كل شعب يستحق من يحكمه".
استحضرت ما عاشته تونس من عقود من القهر والظلم والقمع والاستبداد في عهد النظام الفاسد،عاش الشعب مكبوتا مقهورا لا يتكلم لأنه كان محكوما بالحديد والنار، إلى أن كسر حاجز الخوف في كل شيء وتنفس نسائم الحرية ولكن هل قطع مع رواسب الماضي وتحمل مسؤولية البناء؟
كتبت مرارا وتكرارا عن الثالوث المقدس في تونس: بشائر مشروع النهضة الاستبدادي، الخور الحكومي والاستقطاب الثنائي الخطير على البلاد ونقدت وانتقدت عن حكمة وعن عاطفية فكان كلامي حبا للوطن وخوفا على شعبه، ولكن أليس لنا أن نخاف على الوطن من شعبه؟
صحيح أننا نعيش أسوأ لحظات حياتنا مع هذه الحكومة المباركة، صحيح أن مشكلتنا اليوم أن الموكل إليهم حل مشكلة الوطن هم أنفسهم المشكلة. وصحيح أن حزب النهضة اعتمد على خطة للسيطرة على مفاصل الدولة، طالما خضعت هذه الأجهزة فكل شيء سهل ويسير. وان صعبت المهمة فالفتوى الديلفري جاهزة وربي يفضلنا الشيخ: من يثور على حكمنا إنما يثور ‏على الإسلام...
ولكن ألم يقصر الشعب في أداء واجباته في التغيير الحقيقي وبناء الوطن؟
يرى الكثير من دارسي علم الاجتماع أن التغيير يبدأ من داخل الناس، وأن ما في داخلك ينعكس على ما في خارجك، و"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"> وأن "كما تكونوا يولى عليكم"، وهنالك أيضا نظرية غربية تقول أن الحاكم هو انعكاس للشعب، فمثلا رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون يمثل النموذج البريطاني الشائع في تلك البلاد، فلو تأملت في شخصيته وتأملت في شخصية أغلب البريطانيين وآلية اتخاذ القرار عند المواطن لرأيت تشابها كبيرا بينهما، وكذا في كل دولة ستجد أن رئيسها يمثل النموذج الشائع في المجتمع، لو كان أغلب الشعب طماعا ستجد أن رئيس البلاد طماع أيضا، ولو كان أغلب الشعب عصاميا ستجد إن رئيسهم عصامي، وقد يتبين ذلك عند الرئيس الأميركي مثلا، فكما تكونوا يولى عليكم، فلا تغضب إذا من الحكومة إذ أن شعبها هكذا، ولا تغضب من الحاكم لأنه انعكاس تلقائي للشعب، لو أتينا بشعب منظم كالشعب البريطاني، وأحللناه مكان شعب فوضوي تحت حكومة فوضوية، وأبقينا على الحكومة الفوضوية، فماذا سيحدث بعد فترة؟
ستصبح الحكومة منظمة قسرا، لأن الشعب منظم، يعني لو أخرجنا شعب تشاد مثلا ووضعنا بدلا منه الشعب البريطاني فماذا سيحدث في التنظيمات الحكومية والمؤسسية للبلد؟ فكر قليلا وجاوب مع نفسك.
إذا فالانطلاق من الشعب، والحاكم إنعكاس للشعب، فلو تغيرت الحكومات ألف مرة وكان الشعب بنفس العقلية والمساوئ ولم يتغير فلن تتغير الدولة، ولن تتطور أبدا،فإن لم يتغير وعي الشعب فلن يتغير شيء، وإن لم يتغير وعي الشعب فسيعيدون أخطاءهم، وسيختارون الرجل الخطأ الذي يجعجع بمبادئ الحرية والعدل كما نادى من قبل زعماء ما قبل ثورة 14 يناير، فقد كان لهم كلام يبكي في الحرية والعدالة، وبإمكانك أن تنظر في إختيار الشعب لنوابهم الحاليين وأحزابهم،لتعرف إن كان الوعي قد تغير عندهم أم لا.
فكما يختارون الآن النواب الخطأ، فسيختارون كذلك مستقبلا الحكام الخطأ لأنهم محتارون أصلا وليس لديهم تصور واضح عن المستقبل، بل ليس لديهم أي تصور عنه، فامسك الآن أحد الثائرين على حكم النهضة واسأله عن الرئيس القادم الذي يريدون أن يستبدلوا به اللارئيس الحالي، فستجد إجابته غير واضحة! وبعضهم يقول أي شخص غير هؤلاء، وبعضهم يقول: ربما يأتي من هو خير منهم. وهو بالضبط ما كان يحصل في كل مرة سابقة،فالحل إذا: هو أن تغير من وعي الشعب حتى يقرر الصواب.
المشكلة أن أكثر الناس يحكمون عاطفتهم ولا يحكمون عقلهم!
هذه العاطفة التي نراها اليوم جعلت من المواطن ضحية تحت سيطرة غيره؛ سيطرة تمنعه من القدرة على فعل أو قول ما يريد بل تلقائيا يبحث في سيده عن أي إشارة ولو كاذبة، تعطيه إحساس بالاطمئنان لهذا الجاني المعتدي، كلما زاد أمد سيطرة السيد على الضحية تقبلت لفكرة خضوعها له، وقد يتطور الأمر عن مجرد الشعور بتقبل الجاني إلى محاولة إرضائه، وقد يتطور الأمر لحمايته وإنكار أنه قام باضطهاده وهو ما يتراءى لنا في ثقافة القطيع التي يمارس طقوسها أتباع سياسينا حكومة ومعارضة.
إذا هي سنة المجتمعات التي تقع تحت الحكم القمعي الظالم لفترات طويلة حتى إنها لا تستعذب الحياة بدون هذا الحكم؛ فهو كان يفكر لها ويقرر لها ويقوم بالتنفيذ مستغلا لها، وتكتفي هذه المجتمعات بما يسمح به لها ذاك النظام الديكتاتوري الظالم من أسباب الحياة، وقد اعتادت هذه المجتمعات على هذه الحياة وتقبلتها، ولا يعني تململها بين الحين والآخر أنها مستعدة للتغيير أو التخلص من قبضة الخضوع القسري للدكتاتورية.
إن الحاكم إنما هو نتيجة، وليس سببا، وكما تكونوا يولى عليكم.
فالحرص كل الحرص على إصلاح أنفسنا، وبعد ذلك يخرج الحاكم الصالح من بيننا بطريقة منظمة ليحكمنا. لأن الحاكم هو نتيجة لتصرفات شعبه وطباعه.
إن أردنا من الأوضاع أن تنصلح فيجب اصلاح الذات والثورة على النفس وتربية المواطن المتيم بحب وطنه والساعي لنهضته الحقيقية لأنه في الأخير سيصنع مسؤولين أكفاء من أبناء هذا الشعب،من الطبقة الكادحة قادرين على بناء ربيع تونس.
فليس العبرة في الصلاح ولكن العبرة بالإصلاح، والإصلاح لا يعني الصلاة والصوم فقط بل انه تخدير للناس بالدين إذا كان هذا فقط ما يدعو إليه المصلحون وإنما مقاومة الظالمين وفسادهم وكل يبدأ بنفسه.
لم يعد يجدي تبرير أزمة الوطن أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية، وأن مؤسساتها الجديدة لم تكتمل بعد، وأن ميراث النظام السابق ثقيل، فتلك العوامل تفرض نهجاً وطنياً عاماً تمتد فيه الأيدي بعضها إلى بعض، وتفرض شراكة بين الشعب والقوى الوطنية، وتفرض تفاعلاً ديناميكياً مع الواقع الجديد.
علينا أن نفرق بين الاختلاف فى وجهة النظر وبين التعصب والتشرذم، والحل فى ذلك هو أن نضع مصلحة تونس نصب أعيننا، وتغليب المصلحة العامة على مصلحتنا الشخصية وعلى أهوائنا، ووضع النقاط على الحروف بوضوح، وعدم العودة للفساد من سرقة ونهب والذى كان يمارس فى ظل النظام السابق، أيضاً لا ينبغى أن يقتصر الإنتاج والاستثمار والعمل على فئة معينة بل يجب أن يتسعا ليشملا الجميع.
فلا تقاس الدول بكثرة السكان أو بالغنى ولكن بجودة أفرادها وتحضرهم بصرف النظر عن خلفياتهم فجودة الفرد تعني الجدية في العمل وتحمل المسؤولية واستشعار الأمانة تجاه الوطن بالعمل الجاد المخلص لأجل الوطن وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية.
لن نتقدم إلا إذا كان الشعب مثل خلية النحل في بناء الوطن.

تابع القراءة ←

اختار بإرادته أن يكون إماما ولكن أختار كذلك أن لا يكون نهضويا

اختار بإرادته أن يكون إماما ولكن أختار كذلك أن لا يكون نهضويا
 
 
ميدل ايست أونلاين
بقلم: عصام الدين الراجحي
"وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً" هدف واضح وغاية سامية ومهمة نبيلة حددها القرآن لبيوت الله، وأمر الله مرتاديها أن يتحركوا داخل إطارها وحذرت الآية الكريمة القائمين على المساجد من ان ينحرفوا بمسارها من الدعوة لله وحده إلى الدعوة مع الله أحداً غيره.
عبادة الله فهماً وأداءً وتذكيراً هي ما يجب أن يحصل عليه المؤمن حالة وجوده في بيت الله، وبالتأكيد فإن المساجد في الإسلام ليست للعبادة بمعناها الضيق «أداء الصلوات الخمس فقط» بل هي للعبادة بمعناها الشامل، أن يكون الله حاضراً في أذهان المصلين في جميع أوقاتهم ومختلف شؤون حياتهم، ان يلج المسلم الحائر إلى المسجد بأسئلة تائهة ليخرج بأجوبة شافية جامعة ومبسطة، ان يهرب المؤمن من هم البيوت وقلق الشوارع وأرق الحزبية وصخب السياسة وضنك الدائن والمؤجر والتاجر.. الخ إلى أقرب مسجد ليجد راحة النفس وطمأنينة القلب وسعادة البال.. لكن هل نجد كل هذا في مساجدنا!!.. واقعها ينفي ذلك.
لقد حاول البعض تحويل وجهة المساجد من التذكير بجلال الله وقدرته وعظمة الإسلام وقيمه وتعاليم نبيه.. إلى التذكير بجلال الأحزاب وقدرة الزعيم الأوحد وعظمة أفكاره وجهوده.. ومن التذكير بمبادئ الإسلام الجامعة وقيمه العامة التي تبني وتجمع وتؤاخي إلى التعصب لآراء الأشخاص والهيئات والمذاهب التي تهدم وتشتت وتفرق.. الواقع يؤكد أن غالب مساجدنا غائبة أن لم نقل مغيبة عن مهمتها الحقيقية لصالح أهداف الحزب الحاكم.
وعلى مايبدو فإن غالب خطبائنا في إجازة عقلية غير محددة.. فبعضهم يعتلي المنابر بأوراق أو مفاهيم جاهزة المضمون ومحددة الملامح آتية من مقراتهم التنظيمية وآخرون يعملون ضمن أجندة مذهبية تأزيمية أو طائفية تحريضية.. ومنهم مشغول بنهم أسماء بعينها غيبةً ونميمة وتشكيكاً في العقائد..الخ إننا نهرب من الغيبة والنميمة في الشارع والبيت لنجدها مشرعنة في المسجد.
مساجد تونس عاشت زمناً غير بعيد من الاحتكار الحزبي لمنابرها حتى أضحت تسمى وتكنى بالمسجد الشعبة أو لجنة التنسيق، وكانت أكثر تحزباً من مقار التجمع يصعد الخطيب المنبر ناصحاً المصلين بانتخاب وطاعة الرجل الصالح بن علي بينما أنصاره يوزعون صوره أمام الباب.
اليوم لا يختلف الوضع بل أكثر قتامة وسوف أنطلق من حادثة تلخص الوضع المأساة، شاب ملتزم يتقدم لمناظرة الأئمة فينجح يعين بقرية قريبة لمدينته وقبل المباشرة يطرأ شغور في مسجد مدينته فيتقدم بمطلب نقلة ويحالفه الحظ ويعين مبدئيا الى حين البت في المسألة نهائيا من الوزارة.
عام ونصف والمسكين يعاني الويلات ودسائس الحزب الحاكم لا لشئ الا "عدم نهضويته" وكرهه للسياسة والتحزب لكن العلة لدى الرأي العام صوته وكأن البديل الجاهز النهضاوي بعبدالباسط عبدالصمد. نفس الممارسات السابقة تتكرر كمحاولات استقطابه وعند الرفض التخطيط لإزاحته بل المصيبة وفي اطار نهضوة الادارة مكالمة من الوزارة واردة على المكتب المحلي لحزب حركة النهضة ب مدينة برقو لاستشارتهم في التعيين والنتيجة... هذا الشاب المسكين محروم من جرايته مدة 18 شهرا وهو الفقير العائل لوالدته المسنة وزوجة وطفلين.
آخر الممارسات عدل منفذ مرسل من طرف عضو مكتب جهوي للنهضة للإمام وتهديده على الملأ لترك منصبه وإلا سوف يحاسب الحساب العسير.
لم يستطع الواعظ المحلي المغلوب على أمره رغم طيبته مقاومة الهجمة الشرسة وانخرط دون أن يدري في سياسة نهضوة جامع برقو ومساعدة بعض الأطراف التي تريد أن تقتنص العنوان الإسلامي وتصور أنها هي المسؤلة عنه والممثل له.
إن الضرورة تستدعي تحييد المساجد عن الاحزاب، مع المحافظة على دورها الديني وحمايتها من التغوّل السياسي، غير أنه مطلوب في مقابل الاهتمام بـ'قضايا الأمة الإسلامية ومشاكل المؤمنين كما أمر ديننا ورسولنا الكريم وليس كما أمر الغنوشي واللوز'.
أتمنى من الواعظ المحلي أن يفرق بين دور المسجد كمؤسسة دينية وبين ميوله واتجاهاته ونزعته السياسية. لقد انضم إلي قافلة «تحزيب المساجد» التي انطلقت بعد صعود النهضة إلي الحكم علي ظهر شباب ثورة الحرية، واتخاذها من دماء الشهداء سلما لبلوغ أهدافها.
أبكي اليوم على وطني، عندما علمت بان هناك مصلين انقسموا فريقين خلف إمامين مختلفين في مسجد واحد، تماما كما انقسمت تونس سياسيا ودينيا بفعل تأثير دعاة الفتنة.
لقد قال رسول الله «جنبوا مساجدكم خصوماتكم ورفع أصواتكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم».. ونهي المصطفي عن جعل بيوت الله موضعا للبيع والشراء بقوله لمن كان يعقد صفقة تجارية بالمسجد «لا ربحت تجارتك».
وكان أحرى بصديقنا الواعظ وهو يعلم أن الإخلال بما جعلت المساجد له، إثم عظيم أن ينأي بالمسجد عن أي قول أو فعل يسيء إليه، أو يقود المصلين إلي التهلكة.
أتمنى أن يصل صوتي للجهات المسؤولة لإصدار قرار تحييد المساجد عن الأحزاب كما أتمنى لفتة كريمة لهذا الشاب الذي اختار بإرادته أن يكون إماما ولكن أختار كذلك أن لا يكون نهضويا.

عصام الدين الراجحي
تابع القراءة ←

لا تكن فردا من القطيع...

نهضوي أكثر من النهضويين: لا تكن فردا من القطيع...
 

ميدل ايست أونلاين
بقلم: عصام الدين الراجحي
تنوع المشهد السياسي بعد ثورة الحرية بحيث اتسع ليشمل شريحة أكبر من الفاعلين داخل الفضاء العام بتونس. وقد برز بشكل خاص نشاط الفاعلين السياسيين الإسلاميين وتنامي دورهم السياسي والاجتماعي على تعدد مشاربهم الفكرية والعقدية جمعهم استخدامهم النصوص والمرجعية والرموز الإسلامية في تحديد هويتهم ورسم الأطر العامة لنشاطاتهم داخل الفضاءات الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية، فمنهم من يستخدم الإسلام كنقطة للمرجعية دون تبني أجندة إسلامية مع التأكيد على أن هذه القيم متوافقة مع الحداثة والديمقراطية والبعض الآخر يسعى لتأسيس نظام سياسي إسلامي محكوم بمبادئ الشريعة الإسلامية.
هذا التعدد إلى حد الاختلاف وأحيانا التضاد صلب العائلة الإسلامية ينقلب بقدرة قادر مع كل تهديد تواجهه الحكومة إلى صف واحد ضد من ينعتونه بالعدو وان كان الشعب.
يحيرني كثيرا علاقة العشق الممنوع بين باقي الإسلاميين والنهضة بل موقفهم المؤيد لها على طول الخط! فموقف الغنوشي مثلا من السلفيين والحب الظاهري والعشق المزيف لهم موقف مفهوم لأنه يستغل السلفيين وشعبيتهم الكبيرة وسط الأحياء كاحتياطي استراتيجي وقت اللزوم. لكن ما يدهشني هو موقف رموز التيارات الإسلامية المحافظة والتقدمية وبالأصح نجومها الذين ينحازون للنهضة أكثر من النهضويين أنفسهم، ويرضون بدور التابع المبرر ويحصدون كراهية النهضة التي تزيد في الشارع يوماً بعد يوم وتتجه إلى صدورهم؛ لأنهم محسوبون أو حسبوا أنفسهم على النهضويين فأصبح البعض مثلا «نهضة» بدون انخراط، والمشكلة الحقيقية التي أرجو من الجميع فهمها هو أنكم لا يمكن فى يوم من الأيام أن تكونوا منهم لأن النهضة قدس الأقداس والفرقة الناجية التي لا يدخلها إلا أصحاب الدم الأزرق من أبناء الجماعة.
كلامي هذا ليس بمنطق الاقصاء ضد أبناء النهضة فمنهم رجال صدقوا يرفعون راية الحق ولكن كثير منهم يمارسون سلوكيات الحزب المنحل، من خلال تنظيم مليء بالمؤامرات والأحقاد والصراعات ومحاولات تحقيق مصالح خاصة بعيدة كل البعد عن الإسلام حتى وإن نسبوا لأنفسهم أنهم من يمثل الإسلام فقط بمجرد حمل بعض الشعارات التي تخفي وراءها نهم وجشع كبيران للسلطة وطاقة رهيبة للعمل ليلا نهارا للحفاظ عليها بدل إنقاذ البلاد.
فهل اظلم إن قلت لا يتقبّل الجماعة وأنصارها الرأي المخالف، بل غالباً ما يبدءون بكيل تهم الخيانة والماضي التجمعي ومعاداة الدين والعلمانية الملحدة لكل من ينتقدهم، وفي كل مرة يردون على النقد بالتذكير بنجاحهم بنتائج الانتخابات، مع أن هذا ليس مؤشراً حقيقيا لأن الشعب أعطاهم أصواته بنسبة عالية بنزعة عاطفية بل ويظن جمع من المواطنون أن انتخاب مرشح النهضة هو من مداخل التقرب لله سبحانه وتعالى.
بل نفس المواطن الصالح يرى من الحكمة الإلهية التقارب الإخواني الأميركي وتحقيق الأجندة الأميركية، قد لا يكون ذلك إيمانا منه بهذه الأجندة لكن ربما كان الغاية عنده تبرر الوسيلة لأجل الوصول للحكم وبالتالي لا تمايز بينها وبين الأجندة النهضوية الهادفة للاستفراد بالحكم.
فهل أن الجماعة التي كانت كالقمر في عيون الناس وهبطت فأظلمت المكان ورآهم الناس على حقيقتها استطاعت بخلاف الرش والعمى تحقيق وعودها للجماهير.
لم يعد خافيا أن وعود 'التغيير' التي بشر بها النهضويون في حملاتهم الانتخابية،و قد كنت واحدا منهم ومنسق إحدى حملاتهم، والمتمثلة في شعارات كـ'مشروع النهضة' و'برنامج الثورة ذو 365 نقطة'، لم يتفرع عنها مشروع سياسي متكامل، فالبرنامج الذي خاضوا به الانتخابات اتسم بالعمومية، وخلا من أي تعريف لأولويات المرحلة، أو برنامج عمل يتناول إطارا زمنيا محددا أهو لسنة أو لأربع سنين، بل تم التركيز على الشعارات كوصفه بالمشروع المتكامل الذي سينقل تونس إلى مصاف الدول المتقدمة.
ولم يستند الجماعة ـ فيما قدموه من وعود في كل مرحلة ـ إلى فهم منضبط للواقع يضبط سير العمل ويساهم في تحقيق الإنجاز ويجعل الوعود ممكنة التطبيق وبسبب هذا الفقر السياسي والمعرفة الاقتصادية، فوجئ الغنوشي وأتباعه في كل مرحلة بتحديات لم تكن في حسبانهم، ومنعهم غياب المشروع والرؤية المتكاملة من التعامل معها بفاعلية، فكانت سببا إضافيا منعهم من إنجاز ما وعدوا به، ثم كان أن تذرعوا بوجود هذه التحديات لعدم الإنجاز، مع أن وجودها معلوم سابق لإطلاق الوعود، ومن ثم فالتذرع بها هو عذر أقبح من ذنب.
لقد انتظر الناس منهم الوفاء بوعود علاج المشكلات الاقتصادية وإنجاز بعض مطالب الثورة، ولكن لم يظفروا جراء سياسة العمى المتبعة سوى البؤس والتمزق الوطني والاحتراب السياسي وغياب أي رؤى اقتصادية وإحباط شعبي غير مسبوق وشماتة الكارهين للربيع العربي وحكومة فاشلة حتى لا نقول وصف آخر وغياب اليقين بالمستقبل وشعور بالخوف على تونس بدأ يتسلل إلى الجميع، ثم بعد ذلك إذا وقفت وقلت يا ناس راجعوا أنفسكم وأنقذوا الوطن واخرجوا من عباءة الجماعة والشيخ إلى رحابة الوطن، يقولون لك: ما الذي غير كلامك وموقفك؟!!، لقد كنا نعلم ونرصد مظاهر الخلل والفساد السياسي التي تتنامى منذ حادثة 9 أبريل وقلنا لعل الأوضاع تنصلح، لكنّا فوجئنا بأننا أمام رئيس وحكومة أسيران أمام وحش ملتهم للسلطة، هو لا يتصور أنه رئيس حزب، يتصرف كمرشد تنظيم ديني بكل رؤاه وحساباته وأفقه الضيق ومصالحه ورجاله وشهوته الطاغية للهيمنة وإقصاء الآخرين، ومنذ اللحظة التي فتح فيه الجبالي دولاب الدولة وسلم مفاتيحه لنفوذ جماعته، وبدأ يتحول من رئيس لحكومة تونس إلى أسير مرشد النهضة، والناس تفهم والناس ترصد والناس تشعر والناس ليست بالغباء الذي يتصوره كبار شخصيات النهضة في استعلائهم وكبرهم، فبدأت رحلة الانفضاض من حولهم، وكل يوم يخسرون قطاعًا من الشعب، وكل يوم تتآكل مساحة حركتهم، وكل يوم يفقدون جزءًا من قدرتهم على إدارة الدولة، أضف إلى ذلك التخبط في قرارات والرجوع عنها لأن "المطبخ" الذي كان يعتمدون عليه مطبخ هواة ومغامرين، وليس مطبخ كفاءات قانونية وسياسية تتعامل بمنطق الدولة.
مشكلتنا اليوم أننا شعب يسهل انقياد عقوله لما يريده ذاك الزعيم أو ما تقوله تلك الجماعة، فقولهم ممتزج بعاطفة وطنية أو دينية قد أحسنوا اللعب عليها فغدت مخالفتهم إما خيانة وإما كفراً. وصار حال من أراد التفكير كفرد من قطيع ابتعد عنه فصار صيداً سهلاً لجماعة الضباع المسلحة بمخالب التكفير والخيانة.
ولكن أقولها للمرة الآلف أننا لم نخلق لنرضى الخلق بل لنرضي خالقنا.. والإسلام لا يمثل النهضة والنهضة لا تمثل الإسلام.
وخلاصة القول: نحن لا نعادي النهضة بل نحن ضد سياستها.
تابع القراءة ←
;