الثلاثاء، 29 يناير 2013

المفكر هشام جعيط لـ"الصباح" لا يمكن لأي فئة أو حزب أو حركة فرض أفكارها بالقوة


120




 نصيحتي للجبالي أن يفوض الأمور الإدارية لغيره وأن يهتم بالسياسة -  عندما يتحقق الاستقرار يمكن أن نقول إن الثورة نجحت -  حوار: آسيا العتروس -  يواصل المفكر هشام جعيط في هذا الجزء الثاني من الحوار الذي خص به «الصباح» والذي نشرنا الجزء الاول منه في عدد الأحد 27 جانفي

تقديم آرائه و مواقفه من القيم الانسانية والقوانين الى جانب مفهومه للحرية والديموقراطية وظاهرة السلفيين، كما يقدم قراءته الخاصة لتقسيم السلطات في الدستور وتنظيم العلاقة بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية .
ويعتبر الدكتور والباحث هشام جعيط أن الشعوب تعودت تاريخيا على القائد الزعيم المتفرد بالسلطة وهو ما يظهر مجددا في مصر من خلال الصلاحيات الفرعونية التي منحها الاعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي. ويقول الدكتور جعيط «أن القوة ستعود بنا الى الدكتاتورية
ولذلك فإن الدولة وحدها يجب ان تتصدى للعنف».
 كما يتطرق هذا الجزء الثاني والأخير من الحوار في جانب كبير منه الى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والاصلاح الاداري وضرورة اعادة الاستقرار المنشود للمشهد الراهن بهدف ضمان تحقيق أهداف الثورة، وذلك بالاعتماد على تجارب الاخرين. ويعتبر المفكر التونسي أنه لا بد من تصور سياسي، فهذا أمر ضروري لتكوين مؤسسات صحيحة. ويشدد على أن الجهات الجريحة والعاطلين يجب أن يشكلوا «أولوية الأولويات» للوصول الى الاستقرار المطلوب.
ولعله من المهم الاشارة الى أنك وأنت تحاور صرحا من صروح المعرفة في العالمين العربي والاسلامي وتتابع نظراته وهو يقرأ بكل تأن أفكاره لا تستطيع أن تمنع نفسك من استراق النظر الى ذلك الكنز الكبير المحيط به وتلك الآلاف المؤلفة من العناوين التي تؤثث مكتبه بين القديم والحديث في مختلف المجالات والبحوث والدراسات، فتقع على بعضها، وأنت تحاول أن تقرأ شخصية محدثك واهتماماته الأدبية والتاريخية وهو ينفث دخان سيجارته تباعا ويترشف قهوته السوداء ولا يتوانى بدوره عن السؤال عما آلت إليه الأوضاع في مؤسسة «دار الصباح» وعن المشهد الاعلامي ويتحفك بما لا تعلم عن علاقة بورقيبة بوسائل الاعلام ودعمه في فترات حرجة لمؤسس «دار الصباح» المرحوم الحبيب شيخ روحه ولبشير بن يحمد صاحب مجلة «جون أفريك» وحرصه على «استقلالية» الخط التحريري لتلك المؤسسات الاعلامية وفي نفس الوقت ضمان تأييدها له وقت الحاجة... وباستثناء كتب السيرة النبوية وغيرها من المؤلفات حول التاريخ الاسلامي ستجد بين تلك الكنوز من الكتب كتاب هشام شرابي «الجمر و الرماد» وعبد الله العروي «خواطر الصباح» ورشدي راشد في تاريخ العلوم و Max weber le savant et le politique ;yasmina khadra lattentat ;Giles kepel jihad ;Marcel Gauchet la condition historique وغير ذلك من العناوين التي تتمنى أن تنهال عليها...
حوار: آسيا العتروس -  
هل نعيش أزمة قيم أم أزمة أخلاق أم أزمة ضمير تجعلنا نواجه العنف بكل أنواعه؟
هناك إفلاس ثقافي حاصل، ولكن القيم الانسانية تؤكد على العدالة والكرامة والمساواة بين المسلمين واحترام الذات البشرية وهي أمور هامة جدا، وهذا ليس فقط في الاسلام وفي المسيحية بل وفي غيرها من الأديان أيضا. والقيم في الواقع يستنبطنها المرء في تربيته وداخل ضميره وتكون له وازعا أساسيا في التضامن الانساني وسيرة الانسان في الحياة وهي أهم من القوانين، لكن تأخر العالم الاسلامي جعل الكثيرين يلهثون وراء بعض الفئات الهوجاء وهم لا يفهمون شيئا من الاسلام. انما الواقع أن الديموقراطية تعني الحرية وأنه لكل فرد أن تكون له نظريته في الامور، وحتى السلفيون لهم الحق أن يقولوا ما يشاؤون ولكن ليس لهم الحق إطلاقا في فرض أفكارهم بالقوة و العنف. وفي كل مجتمع الدولة وحدها من يتصدى للعنف وعندما تغض الطرف عنه فهذا أمر خطير ونأسف له.
صحيح أننا قد نتفهم الى حد ما هذا التردد إزاء الأمر في هذا الظرف الذي مازلنا نعيش معه حالة من الفوضى الى حد كبير، ولكن ليس تماما، ولا يمكن لأي فئة مختلفة، حركة كانت أو حزبا، أن يفرض أفكاره بالقوة.
نحن إذن إزاء أمر أساسي يمليه الشعور بالمسؤولية في مثل هذه المسائل .
ومن يتحمل المسؤولية ازاء ما نشهده اليوم من تفاقم لمختلف مظاهر العنف؟
أريد أن أنزه أناسا تألموا من الدكتاتورية ولهم مشاعر اسلامية ويعون الدين وسياسة المجتمع أن يقبلوا بهذا الامر، انما مرة أخرى يجب تنبيه الرأي العام التونسي الى أن كل شخص له الحق في التعبير السلمي عن الرأي بما في ذلك السلفيين، وهم في اعتقادي قلة. الديموقراطية تهم كل الناس والقوة سترجعنا الى الدكتاتورية وهي شر أخلاقي في حد ذاته .
حددت فيما سبق المشهد السياسي في أربعة أحزاب سياسية دون الاشارة الى «نداء تونس» والحال أنه الحركة الأكثر إثارة للجدل اليوم، فهل يعني ذلك أن هذا الحزب لا موقع له في المشهد؟
أبدا وأعتقد أنه من الضروري أن يوجد شيء مثل «نداء تونس» ضمن المشهد الواسع. أنا لا أريد تقييمه في أفكاره ولكن في اعتقادي أنه حزب له أتباعه وتوجهاته وخياراته أيضا، ولكني لا أعتقد أنه سيكون له دور كبير، بمعنى إني لا أعتقد أنه سيحظى بالأغلبية في الانتخابات ولا أرى هذا ممكنا.
كيف يمكن أن يضمن الدستور مسألة الحريات؟
إذا رجعنا للدستور سنجد أنه ليس مدخلا عاما الى المبادئ الأساسية فحسب، بل فيه أيضا عمل وتركيبة الدولة ومسيرتها... ولكن ما نراه حتى الآن أن الكل يجذب الأمور لنفسه وهذا وإن كان طبيعيا فليس بالمستحسن .
يجب التفاهم حول نظام معقول، والنظام المعقول لا يمكن أن يخلق من عدم، وهذا البلد، ككل البلدان، له ارث تاريخي وله تقاليده ومن جملتها أيضا مفهوم الرئاسة. ونحن عرفنا الملوكية وهي نوع من الرئاسة، وعرفنا الرئاسة السلطوية وجزء مهم من الشعب لم يفهم من الأول ألا يوجد رئيس بيده الحل والعقد، وإلى الآن هناك مطامع بالرئاسة... والحقيقة أن الملك يرواغ أحلام القادة السياسيين، فهم ليسوا متعودين على النظام البرلماني الذي يكون رئيس الحكومة فيه تابعا للبرلمان ومنفصلا عن الرئيس.
هنا الحقيقة، رصيدنا أقل وطأة من الانظمة الاخرى، فالرئيس يصبح بصلاحياته المطلقة دكتاتورا، ولو أننا نظرنا الى ما يحدث اليوم في مصر في الذكرى الثانية للثورة سنجد أن مفهوم الرئيس والدكتاتورية يرجع للفراعنة، ولهذا نرى الاحتجاجات العارمة في هذا البلد على تركيبة الرئيس والاخوان ورفضا قويا لما يحدث، فالثورة أدخلت انقطاعا في مسار التاريخ وأتت بالجديد. ونحن - وأعود الآن إلى تونس - باتخاذنا مفهوم الثالوث الحاكم الذي يتقمص الدولة أكثر تطورا من مصر لأن رئيسنا بلا سلطة قوية من جهة تسيير الادارة والسياسة اليومية، أي الوزارات، انما التخوف كل التخوف أن يحصل السطو على مفهوم الدولة من طرف حكومة تتألف من حزب واحد. ثم اننا لسنا متعودين كبريطانيا مثلا على النظام البرلماني. وفي رأيي من المهم أن يقع اقتسام الحكم في الدستور فيما بعد على أساس محدد.
كيف يمكن ذلك؟
أولا، يجب أن يكون في الدولة مرجعا ورمزا للبلاد، ومن هذا المنطلق يكون الرئيس رمز الدولة ورمز الأمة. وأعتقد أن علينا أن نستنبط مفهوما للرئاسة يكون للرئيس فيها دور، وبما أننا شعب يقلد كثيرا فرنسا فلا بأس، وهذه وجهة نظري، أن يكون للرئيس مستقبلا سلطة على الدفاع الوطني وعلى الشؤون الخارجية ونوع من الأولوية.
وبالنسبة لرئيس الحكومة، الذي لديه ادارة الشؤون الادارية للبلاد، أن تكون له مسؤولية هامة في سياسة الامور. وفي هذا الشأن للرئيس إمكانية إعطاء خارطة طريق، كذلك لا بد أن يكون رئيس الحكومة مسؤولا لدى البرلمان لكي يتدخل في اعطاء خارطة طريق للحكومة والخطوط العريضة للسياسة الداخلية ويجب ايجاد صيغة لهذا وهي ليست صيغة صعبة للتوافق بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة. ثم وفي قناعتي الخاصة انه من الافضل أن يكون الرئيس منتخبا من الشعب وتكون له شرعيته، ولكن من جهة أخرى وسواء كان رئيس الحكومة يمثل حزبا منتخبا في البرلمان أو الائتلاف الحاكم، فإني أتخوف دائما من الحزب الوحيد، والأفضل أن يكون رئيس الحكومة يترأس ائتلافا غير متسع من الأحزاب وتكون صلة التفاهم قوية بين الثالوث مثلا ويكون رئيس الحكومة رئيسا للحكومة والبرلمان وكلهم يمثلون بذلك الشرعية المتأتية من الشعب.
خلاصة القول أن المسألة ليست مسألة نصوص، فالنصوص قاعدة، والمسألة في تطبيق الامور ويتكون بالتالي من هذا التطبيق تقليد وبالتالي نسير في خطى ان شاء الله لتكوين جمهورية ديموقراطية وتكون هذه الجمهورية متزنة ومستقرة. وعندما يتم الاستقرار بعد سنوات يمكن القول أن الثورة نجحت وتكون تونس وغيرها من الدول العربية دخلت سياسيا العصر الحديث، والعصر الحديث ليس قيمة عليا في حد ذاته ولكنه الامر الواقع الذي تتجه نحوه شعوب العالم في من حولنا في عصر العولمة.
من هذا المنظور، كيف ترى مستقبل تونس؟
إذا اتفقوا على الدستور وإذا حدثت الانتخابات في نهاية العام وجرت الامور كما أتصور وحصل اتفاق، فيجب أن يتجه العمل لإصلاح ما هو اقتصادي واجتماعي، ولا ننسى أن كل شيء مؤقت في الحياة وليس هذه الحكومة فقط. فنحن أمام واقع اقتصادي صعب ومن الطبيعي في الظروف التي نعيشها أن نشهد مثل هذا الانحدار، ولكن لا يمكن أن تبقى جهات في البلاد في حالة من الفاقة والجوع وهذا أمر غير مقبول بالمرة ولا يمكن أن يستمر .
ما البديل، وكيف الخروج من هذا الوضع والحال أن المطالب الاحتجاجية تتزايد؟
قلت رأيي منذ البداية... الجهات المتألمة من الوضع الاقتصادي لها الاولوية، والادوية الكلاسيكية لا يمكن اليوم تطبيقها والاستثمارات وغيرها من الحلول تتطلب وقتا وهدوءا ومن الضروري أن تقدم حلول جريئة ومستنبطة لفائدة العاطلين عن العمل في الجهات ورصد قيمة مالية أكبر لفائدة هؤلاء، وأشير الى أن منحة البطالة مسألة ضرورية وليست ترفا لتحقيق كرامة هؤلاء.
قسم كبير من الشعب في حالة يرثى لها من الفاقة والبطالة تتفاقم وهي أصل الاضطرابات ولا يمكن ان يستقيم نظام جمهوري ويكون مستقرا في حالة الفوضى .
ولكن، ألا يمكن أن يزيد ذلك أعباء الدولة ويدفع الى البحث عن الحلول الاسهل ومنطق المساعدات فيزول منطق الاجتهاد والعمل كقيمة من القيم الضرورية للنجاح؟
هذه ليست بالحلول السهلة، فتخصيص جراية للعاطلين بمائتي دينار مثلا، يمكن أن تساعد على التوجه نحو الاستقرار. فقسم كبير من الناس في حالة غليان والمؤسف أن خبراء الاقتصاد عندنا، ورغم أنهم تربوا في الغرب واكتسبوا المعارف هناك، فإنهم ظلوا كلاسيكيين في تفكيرهم. ومن هنا أود التوقف عند تجربة فرنسا مع الجراية المخصصة للعاطلين، ولولا هذه الخطوة لشهدت فرنسا ثورة جديدة. وقد توصلت حكومة ميشال روكار الى حل لمساعدة الاكثر فقرا وتجنب بالتالي - انفجار اجتماعي وشيك حيث تم اقرار ما اصطلح عليه آنذاك revenu minimum dinsertion (rmi) وهي منحة اجتماعية لضمان الحد الادنى للمعوزين لفائدة مليوني فرنسي من عديمي الدخل، وقد استمر بها العمل من 1988 الى 2009 قبل أن يقع مراجعتها وإقرارها بـrevenu de solidarite active (rsa) وذلك بعد مراجعة مفهومها الفلسفي وأبعادها وهي محددة في شروطها وفي مدتها.
وينبغي أن ندرك أن العالم في حالة أزمة اقتصادية ونحن جزء من هذا العالم ونتحمل كذلك تداعيات الأزمات الاقتصادية ولا مجال للتعويل على التضامن العربي فلا تضامن بين الدول العربية ولا أمل فيها. أما أوروبا وأمريكا - التي يمكن أن تساعد في بعض الاحيان - فهي أيضا في أزمة، ثم انها غير مرتاحة للوضع الذي باتت فيع دول الربيع العربي .
الاعتماد في المقابل سيكون على المؤسسات الدولية ومنها البنك الدولي والبنك الافريقي، وأكرر ان الاخوان العرب لا اعتماد عليهم .
حتى الحليف القطري؟
هؤلاء يساومون ولا يريدون غير مصالحهم. لكن لدينا في المقابل صفة التلميذ الجيد في التعامل مع المؤسسات الدولية، بمعنى أن تونس تلتزم بتسديد ديونها ووفية لالتزاماتها وهذه شهادة جيدة بالنسبة لبلدنا ويمكن استثمارها من جانب وزارة المالية، كما البنك المركزي، ولا بأس أيضا أن يتم التشاور في ذلك مع الحكومة وحتى رئاسة الجمهورية من أجل اعتماد الليونة في تسديد ديون تونس وربما تأجيلها وهذا الامر يجب طرحه اليوم وقبل موعد الانتخابات، ولا يمكن ايضا الانتظار حتى الانتهاء من الدستور.
السبب أننا في حاجة للاستقرار ومنح تونس هذه الأولوية سيساعد على الاستقرار اذ بدون استقرار لا مجال للتقدم. فالحكومة تسير بصفة كلاسيكية وكأن الأمور في البلاد عادية. هناك أمور استعجالية، والمشكلة الأخرى أن إدارتنا بطيئة في كل الأمور. بإمكان الحكومة تكوين جهاز سريع لكل هذا درءا لمزيد الاضطراب.
ولكن المسؤولين يتحدثون في كل المناسبات، وحتى في غير مناسبات، عن عائدات المؤسسات المصادرة والأموال المهربة، وهذا يجعل المطالب الشعبية تتزايد، فهل يمكن التعويل على هذه المصادر لإنقاذ الاقتصاد؟
-لا يمكن الاعتماد على الأموال المهربة (هذي حكاية فارغة)... الناس مرضى جراء النقاشات السياسية ولا يمكن حل المشاكل ببيع الأوهام، كما لا يمكن التعامل مع مطالب ابناء الشمال والجنوب بالقوة... هذا خطأ كبير.
ومن جهة أخرى أيضا، لا بد من خطاب سياسي جريء ولا بد من توعية الناس ومن الاهتمام بهذه الامور الحاصلة في الجهات، وتجربة المنحة ضرورية ولا غنى عنها.
حتى لو استقامت الأمور وكتب الدستور وقامت مؤسسات مستقرة ودائمة، سيبقى المشكل الاجتماعي قائما. فنحن لا نزال في مرحلة لا يمكن التعويل فيها على أصحاب الاموال والاستثمارات الداخلية. هناك أمور واقعية ولا بد من استخلاص العبر منها، والاستثمارات الخارجية لا تزال مترددة. لا بد اذن من تصور سياسي وهذا ضروري جدا وهو الشرط الاساسي لتكوين مؤسسات قوية، وللأسف نحن شعب سريالي ويتخبط في الجدالات العقيمة .
لو نتحدث عن الأولويات؟
الاصلاح الاداري أساسي، وما حدث حتى الآن لم يقدم المطلوب. لدينا ادارة مأخوذة عن فرنسا من عهد الاستعمار ولم تتطور بعد. الادارة أساسية لكن المسائل السياسية تتجاوزها، ونصيحتي لرئيس الحكومة أن يترك كل ما هو إداري لغيره وأن يهتم بالشؤون السياسية، فهناك يوميا قرارات إدارية يوقعها وهذا أمر كان في السابق حاصل ومن مشمولات رئيس الجمهورية .
وماذا بشأن الخبرة المطلوبة في العمل السياسي؟
التجربة وحدها لا تكفي، والشعب قال لا لبن علي وجماعته الذين لديهم التجربة. هناك صعوبات كثيرة بالتأكيد وتونس الماضي ليست تونس الحاضر. هناك فكرة سائدة أن من ضحى بحياته لديه استحقاق في الحكم والنضالية قديمة وهذا ينسحب على مصر أيضا وفي اعتقادي أن الحكام الجدد سياسيون ومهنيون وبدؤوا يكتسبون الخبرة، فالرئيس المؤقت مثلا معارض سياسي وهذا منذ سنوات طويلة، وبعد المعارضة أصبح في الحكم والمعارضة ليست الحكم، وبن جعفر كذلك معارض وكان له موقعه على الساحة، ولو أنه لم يدخل السجن. ربما يصح القول أننا بلد صغير ولكننا لدينا الكثير من السياسيين.
الشعب كله اليوم يتحدث في السياسة... هل هذا أمر طبيعي؟
من الطبيعي أن يهتم البشر بشؤون بلادهم، فقد عشنا فترة طويلة الدولة كل شيء، وتاريخيا كل شيء يعتمد على الدولة ولكن غير ذلك في أمريكا مثلا، فالمجتمع أقوى من الدولة وهناك أصحاب الأموال والمؤسسات المالية والاقتصادية أقوى من الدولة وامكانياتها الاقتصادية تتجاوز امكانيات الدولة، ثم ان المجتمع مهيكل، ومن هنا فإن الدولة نراها تتدخل كثيرا في حالات استثنائية، من ذلك ما حدث في الكونغرس لتجاوز الأزمة الراهنة بين الجمهوريين والديموقراطيين وتجنب الهاوية المالية.
فرنسا مثال آخر ووضعية مختلفة والدولة كان لها في تاريخها دوما دور مهم في كل ما يتعلق بالاقتصاد الخاص الذي يمثل اليوم قلب الرأسمالية.
نستعرض كل هذا لأنه لا بد من الوصول الى درجة من الاستقرار وتجنب مزيد الاضطراب .
التونسي اليوم خائف والكثيرون يبحثون عن الهجرة وانقاذ مستقبل أبنائهم، أو هذا على الاقل ما يقولونه، فما هو تعليق الدكتور هشام جعيط وهو الذي وجد نفسه في وقت من الأوقات يختار المنفى القسري بسبب التضييقات على أصحاب الفكر والنخب؟
-فعلا، كنت في مرحلة من حياتي مدفوعا الى المنفى الاختياري وهذا ليس بالمصطلح الجديد و يعود الى التضييقات وغيرها من الممارسات التي اعتمدها النظام السابق، ولكن قناعتي أنه لا يوجد بعدُ سبب للخوف.
 قبل عامين كنا نسمع الكثير من المخاوف بأن المرأة لن تستطيع الخروج بدون حجاب وأنه سيمنع الخمر نهائيا في البلاد وغير ذلك من المخاوف، ولكن لا شيء حدث من ذلك وما نراه اليوم أن الكل حر في ممارسة خياراته وطريقته في الحياة، وهذا ما يجب احترامه.
ما نلمسه اليوم، وهذه حقيقة، أن هناك حرية وأشعر بالفرق الحاصل فيما تقدمه وسائل الاعلام وبالجهود في مجال صحافة الاستقصاء والصحافة المكتوبة والفرق شاسع وواضح بين ما كان موجودا وبين ما هو قائم اليوم ولا أعتقد ان هذا الامر قابل للتراجع مع أني لا أتابع كل الصحف.
سؤال أخير قبل أن نختم هذا اللقاء، هل طلب منك الانضمام الى الحكومة؟
-أبدا لم يحدث مثل هذا الأمر...
وهل تقبل بذلك لو عرض عليك؟
-لا أقبل الدخول في حكومة كيفما كانت ولو كانت أفضل الحكومات في التاريخ. سأبقى مستقلا في تفكيري وبحوثي واهتماماتي ودراساتي الاكاديمية، ولا يمكن أن أتقيد بشيء رسمي، وحتى في بيت الحكمة أقوم بما يريحني ويقدم لي الاضافة وأنا مرتاح لذلك واستقلاليتي لا تنازل عنها.
 انتهى
      
من هو هشام جعيط؟
هشام جعيط، من مواليد 6 ديسمبر 1935 كاتب ومؤرخ ومفكر تونسي باحث في التاريخ الاسلامي .تخصّص في التاريخ الإسلامي وقام بنشر العديد من الأعمال صدرت سواء في العالم العربي أو أوروبا. أحرز سنة 1981 على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة باريس. وهو أستاذ شرفي بجامعة تونس، أستاذ زائر بكل من جامعة ماك غيل (مونتريال) وجامعة كاليفورنيا، بركلي وبمعهد فرنسا.
من مؤلّفاته:
الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، بالفرنسية، 1974
أوروبا والإسلام: صدام الثّقافة والحداثة، بالفرنسية، 1978
الكوفة: نشاة المدينة العربية الإسلامية، بالعربية والفرنسية، 1986
الفتنة: جدليّة الدّين والسّياسة في الإسلام المبكّر، بالفرنسية، 1989، بالعربية 2002
في السيرة النبوية - 1 - الوحي والقرآن والنّبوّة 1999
أزمة الثقافة الإسلامية 2001
في السيرة النبوية - 2 - تاريخية الدعوة المحمدية 2006
في السيرة النبوية 3 حياة محمد سيرة النبي في المدينة وانتصار الاسلام 2012.عين المفكر هشام جعيط قبل عام مديرا لبيت الحكمة المجمع التونسي للعلوم و الاداب و الفنون .
تابع القراءة ←

الاثنين، 28 يناير 2013

ماذا لو أُسقط حكم الاخوان؟


 
عبد الباري عطوان            


عندما انطلقت شرارة الثورة المصرية وتجسّدت في ابهى صورها في اعتصامات الشباب في ميدان التحرير، كانت الكتابة بالنسبة الينا مهمة سهلة، لأن الخيار بين معسكر الثورة وبين نظام الفساد والديكتاتورية والتبعية كان واضحا، لا يحتاج الى اي تفكير، ولذلك اخترنا معسكر الثورة دون تردد.
ما تعيشه مصر اليوم من صدامات دموية وانقسامات حادة، وتحريض داخلي وخارجي على أعمال العنف، يجعل المرء يعيش حالة من الحيرة والقلق، ويضع يده على قلبه خوفا على هذا البلد العظيم الذي علّقنا عليه آمالنا، وما زلنا، لقيادة الأمة العربية الى برّ الأمان، بعد اربعين عاما من التيه في صحراء التبعية لأمريكا واسرائيل وعملية سلمية مذلّة.
اشياء كثيرة تحدث حاليا في مصر تستعصي على الفهم، ففي مدينة بور سعيد التي تشهد حتى كتابة هذه السطور اشتباكات مسلحة بين قوات الامن وعناصر مسلحة ادت الى مقتل حوالى خمسة وعشرين شخصا، بينهم رجال امن، هناك من يحمّل الحكومة المسؤولية، وهي التي تحاول احترام قرار قضائي اصدر حكما بالإعدام بحق 21 شخصا ادينوا بإطلاق النار على مشجعي النادي الاهلي، اثناء مباراة في المدينة، مما اسفر عن مقتل اكثر من سبعين شخصا.
هذا القضاء الذي اصدر الاحكام التي فجّرت اعمال العنف والصدامات هذه، تدافع عنه وعن استقلاليته المعارضة في وجه محاولات لتقويضه من قبل الحكومة الحالية.
فكيف يمكن ان نفهم هذا التناقض؟
وكيف يمكن ان نفهم ايضا محاولات اقتحام السجون والإفراج عن القتلة والمجرمين فيها، باعتبار ان هذا عمل وطني، او نتفهم اعمال حرق مقرات المحافظات والمباني الحكومية، فهل هذه ملك للإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي، ام هي ملك للدولة والشعب المصري بأسره؟
ثورة يوليو عام 1952 لم تدمر قصور اسرة محمد علي، ولم تحرق يخت الملك فاروق، ولم تعتدِ على المباني العامة، والشيء نفسه حصل في العراق، ومن المفارقة ان الحاكم العسكري الامريكي الاول بول بريمر اقام في قصر الرئيس العراقي صدام حسين.
' ' '
هناك ثلاثة اوجه رئيسية للمشهد المصري الحالي يجب التوقف عندها لقراءة تطورات الوضع الراهن، واستقراء ملامح المستقبل:
' اولا: ان يسقط حكم الرئيس مرسي بفعل مظاهرات الاحتجاج الحالية، وانسداد افق التفاهم بين السلطة والمعارضة.
' ثانيا: ان تستمر اعمال الفوضى والانفلات الامني وتتطور الى حرب اهلية دموية تنتشر في طول البلاد وعرضها، وشاهدنا بعض الخارجين على سلطة الدولة يطلقون النار على قوات الأمن، وهي المرة الاولى على حد علمنا التي نشاهد فيها هذه الظاهرة المرعبة منذ اربعين عاما.
' ثالثا: ان يتدخل الجيش، ويقدم على انقلاب عسكري ويعلن الاحكام العرفية للسيطرة على الوضع، ووضع حدّ لحالة الفوضى الراهنة، وانعدام الامن، حقنا للدماء والحفاظ على ما تبقى من هيبة الدولة.
المعارضة المصرية المتمثلة في جبهة الانقاذ الوطني بزعامة الدكتور محمد البرادعي تريد اسقاط حكم المرشد، والدعوة بالتالي الى انتخابات رئاسية مبكرة، وتهدد بمقاطعة الانتخابات البرلمانية اذا لم تتم الاستجابة لمطالبها جميعا.
بعض مطالب المعارضة هذه مشروعة، وخاصة تلك المتعلقة بتشكيل حكومة انقاذ وطنية تضم كفاءات من مختلف الاحزاب المصرية، ونأمل ان تستجيب لها الحكومة، ولكن علينا ان نسأل سؤالا وجيها، وهو عما سيحدث لو استمرت هذه الأزمة، ومعها حالة الصدام بين السلطة والمعارضة، واستمرت معها اعمال التظاهر والاحتجاج التي تشلّ مصر حاليا، وتزعزع استقرارها وتدمر اقتصادها، وتهز الثقة ببورصتها المالية وتدفع المليارات من الاستثمارات الاجنبية الى الهروب؟
نطرح السؤال بصيغة اخرى اكثر وضوحا وهو: ماذا لو سقط او أُسقط حكم الرئيس مرسي من خلال المظاهرات والاحتجاجات وتطورها الى حرب اهلية، او صدامات مسلحة مثلما هو حادث حاليا في سورية؟
لنفترض ان المعارضة هزمت النظام واسقطته، فهل ستستطيع ان تحكم بمفردها، وهل تستطيع ان تضع دستورها الذي يؤسس لدولة مدنية، ثم كيف سيكون موقف التيار الاسلامي الاخواني والسلفي من دولة المعارضة المدنية هذه، وهل سيستسلم للهزيمة؟
التيار الاسلامي سيرفض اي دستور مدني وسيطالب بحكم الشريعة عندما ينتقل الى صفوف المعارضة، وسيقدم على مقاطعة اي انتخابات لأنه سيعتبر نفسه ضحية تعرض لسرقة حكم وصل اليه عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة نزيهة.
علينا ان نتخيل نزول الاخوان والسلفيين الى الشوارع في المدن والقرى والأرياف والنجوع المصرية في مظاهرات غاضبة، او لجوءهم الى السلاح ضد خصومهم الذين سرقوا الحكم منهم؟
نحن لا نتحدث عن احتمالات وهمية هلامية، وانما ننطلق من تجارب تاريخية ما زالت وقائعها ماثلة للعيان، ولا يجب اغفالها عندما يتطرق الأمر الى الوضع المصري الراهن. فعندما انقلبت السلطات الجزائرية على صناديق الاقتراع التي اكدت فوز الاسلاميين بالحكم عام 1991 دخلت الجزائر في حرب اهلية استمرت عشر سنوات، وادت الى سقوط 200 الف قتيل، وما زالت البلاد تعاني من عدم الاستقرار.
' ' '
نعترف مسبقا بأن مصر ليست الجزائر، فلكل بلد ظروفها وشخصيتها وهويتها السياسية والجينية، ولكن الشعب المصري او جزءا منه اذا تحرك فإنه من الصعب ان يوقفه احد، مع تسليمنا ان الشعب المصري اقرب الى الحراك السلمي منه الى العنف، وعلينا ان نتذكر ان هناك استثناءات لهذه القاعدة، والمفاجآت واردة على اي حال.
ندرك جيدا ان مثل هذا الطرح في ظل حالة الفوضى والانقسام الحالية مغامرة قد تترتب عليها اتهامات خطيرة بالانتماء الى هذا الطرف او ذاك، ولكننا هنا نخاطب عقلاء مصر وحكماءها في السلطة والمعارضة معا، بضرورة التبصر بما يمكن ان تتطور اليه الاوضاع من كوارث اذا استمرت حالة التهييج والتحريض الحالية للجماهير المحبطة من قبل النخبة التي تتصارع على الحكم.
مصر تحتاج الى التواضع اولا، من قبل الحكومة والمعارضة معا، ثم الدخول في حوار جدي لايجاد مخارج من هذه الأزمة بعيدا عن الكراهية، والمواقف والاحكام المسبقة.
للمرة المليون نقول إن هناك مؤامرة لافشال الثورة المصرية، من قبل قوى داخلية وخارجية، واسرائيل وامريكا وعملاؤهما يقفان على رأسها، وهناك للأسف من يريد تدمير مصر واستقرارها بحسن نية او سوئها، في السلطة والمعارضة معا.
ممنوع على مصر ان تلتقط انفاسها، وان تستمتع بالحد الادنى من الاستقرار لمداواة جروحها وتعافي اقتصادها، واصلاح مؤسساتها. وهذا ما يفسر حالات الاضطراب الحالية المستمرة.
نحن لسنا مع اخونة مصر، بل نحن اقرب الى تيارها الليبرالي وسنظل، ولكننا لسنا مع تدمير هذا البلد، واجهاض ثورته الأشرف في تاريخ هذه الأمة، وديمقراطيته الوليدة التي يجب ان تتجذر في عمق تربته الطيبة المعطاءة.
   2013-01-27
تابع القراءة ←

أسرار خطيرة يكشفها د. الصحبي العمري ناشط سابق في حركة النهضة

120

د. الصحبي العمري ناشط سابق في حركة النهضة لـ"الصباح الأسبوعي"

كنت مفاوض النهضة مع بن علي ..وهذه أسرار المجموعة الأمنية


 بعد حرق مقامات الأولياء سيقع الاعتداء على مقابر ومعابد اليهود والنصارى لإثارة الفتنة - المرزوقي يدير حملته الانتخابية من قصر قرطاج بأموال الشعب - على حمادي الجبالي تقديم استقالته للتأسيسي - أجرت الحوار :منية العرفاوي يوم الجمعة الماضي، شهدت ساحة القصبة اعتصاما لمجموعة من مناضلي حركة الاتجاه الإسلامي أو حركة النهضة فيما بعد،
وهي المجموعة الأمنية التي أوكلت لها مهمة الانقلاب يوم 8 نوفمبر1987 التي تقضي بقلب نظام الحكم.. اجتماع لم يرق على ما يبدو لحركة النهضة الحاكمة في موقف يرى فيه «رفاق الأمس» من الإسلاميين تنكّرا لنضالات أجيال «أفنت عمرا» في الدفاع عن الحركة وصدّ عدوان السلطة عليها..
د. الصحبي العمري أو رجل «المهمات الصعبة» في نهضة الثمانينات والتسعينات كان حاضرا في اعتصام القصبة، احتجاجا على رفاق «النضال» الذين أنستهم كراسيهم الوثيرة، عذابات «الإخوان» سنوات الجمر..
«الصباح الأسبوعي» التقته في هذا الحوار الذي راوح في تقييم أداء حركة النهضة، المناضلة بالأمس والحاكمة اليوم..
حركة النهضة الحاكمة كيف نظرت الى اعتصام المجموعة الأمنية يوم الجمعة المحسوبة عليها؟
ـ هناك نية لتمييع الوقفة الاحتجاجية لـ»المجموعة الأمنيّة 8 نوفمبر 1987» صبيحة يوم الجمعة 25 جانفي 2013 حتى لا تعترف قيادة حركة النهضة بالجناح العسكري لحركة الاتجاه الإسلامي الذي خطّط للانقلاب على نظام الرئيس بورقيبة ممّا أسفر عن صعود المخلوع إلى سدّة الحكم في 7 نوفمبر 1987 أي قبل يوم واحد من انقلاب حركة النهضة.. لقد اخترقت عناصر من المكتب التنفيذي للنهضة اعتصام «الصمود» في القصبة ونجحت في احتوائه حتى لا يلتحق وزراء المجموعة الأمنيّة برفاق دربهم لمطالبة رئيس الحركة راشد الغنوشي بالاعتذار وردّ الاعتبار للعسكريين والأمنيين النهضويين بعد أن زجّت بهم قيادة الحركة في ماكينة الإلغاء المجتمعي ليصبحوا جثثا متنقلة بعد الثورة يرفض الجميع الاعتراف بنضالاتهم التي كثيرا ما تشدّقت بها قيادة النهضة في المهجر..
راجت الكثير من الأخبار حول هذه المجموعة الأمنية لكن في تقديرك ما هو السرّ غير المعلن الى اليوم حول هذه المجموعة؟
ـ الشرارة الأولى لبداية النشاط الفعلي لهذه المجموعة هو في سبتمبر 1987 عندما بدأت محاكمة الاسلاميين.. صائفة 87 كانت صائفة ساخنة فيها عديد المواجهات الميدانية بين الاسلاميين وبوليس النظام.. العملية الميدانية بدأت مع تفجيرات سوسة والمنستير والتي قامت بها مجموعة من أنصار حركة الاتجاه الإسلامي.. وحمادي الجبالي وقتها هو رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة وقد خطّط للأمر شخصيا بمساعدة القيادي في الحركة المرحوم صالح كركر..
وفي هذه العملية وقع ايقاف بعض العناصر وحكم عليهم بالإعدام واندثر بعضهم بتهريبهم خارج البلاد وهي العملية التي أشرفت عليها شخصيا وذلك بطلب من حمادي الجبالي شخصيا ومنهم محمد الشملي، عبد المجيد الميلي وفتحي معتوق الذي تولّى وضع المتفجرات في النزل وهو اليوم يعيش في إسبانيا، وذلك عبر منطقة قلعة سنان من خلال جهة عين ودّاي..
وتحديد محاكمة جديدة للاسلاميين في 17 نوفمبر 1987 عجّل بتحرّك الجهاز السرّي وبعمله على استجلاب الأسلحة من أوروبا وتقرّرت عملية مداهمة السجون يوم الأحد 8 نوفمبر1987 لإنقاذ قيادة الاتجاه الإسلامي التي ينتظر بعضها حكما بالإعدام.. وإحداث رجة في الحكم البورقيبي قد تؤدّي إلى الانقلاب على السلطة لكن وقع إلقاء القبض على القيادي محمد شمام الذي كان يحمل قائمة بأسماء الضباط العسكريين والأمنيين المشاركين في إعداد خطة المداهمة وكشفت بالتالي أوراق العملية.
هل كان لحمادي الجبالي دور كذلك في انقلاب 8 نوفمبر 1987؟
ـ هناك معلومة خطيرة ستقال ربما لأوّل مرة وهي أن حمادي الجبالي وصالح كركر غادرا تونس من ميناء حلق الوادي في أزياء ضباط من الديوانة في باخرة الحبيب من تونس الى مرسيليا وذلك بتواطؤ من متفقدي وأعوان القمارق وذلك يوم 26 أكتوبر1987 بعد هروب مجموعة سوسة والمنستير عبر الجزائر.. وبقيت المجموعة الأمنية للقيام بمهمتها لكن فشلت في تقديري لأنها عجزت على أن تكون مجموعة انقلابية وكلفت بمهام تتجاوز قدرتها وتعدّ هذه المجموعة 156 عنصرا وفيهم من ساهم بكل انضباط ومن بينهم مدني وعسكري وامني في تحقيق خطة بن علي الانقلابية.. لم تأتهم تعليمات للانقلاب على بن علي وإكمال مهامهم وبالتالي هم هواة..
هل كنت أنت من تفاوضت مع السلطة وقتها لإطلاق سراح المجموعة الأمنية؟
ـ في أحد أيام جويلية 1988 اتصل بي وأنا في سجن 9 أفريل مع بقية عناصر المجموعة، أحمد القطاري مدير عام المصالح السجنية والاصلاح كمبعوث خاص من بن علي في مهمة سرية لايجاد حلّ مع المجموعة الأمنية فطلبت منه توفير 3 حافلات تأتي الى السجن وتنقل 156 فردا وهم من المجموعة الأمنية الذين هم رجال التغيير وحملهم الى قرطاج لأنهم ساهموا بكل انضباط في التغيير السلمي الذي قام به بن علي وعندما عدت الى غرفة الايقاف أخبرتهم بالأمر لكن ما راعني إلا أن الطلبات غير منطقية من قبيل أنهم لن يغادروا السجن الاّ بالحصول على أوسمة، أعتقد أن تلقيهم «شهرية» في السجن تقدّر بين 600 وألف دينار من حركة النهضة وتفوق مرتباتهم الوظيفية تمثل مورد رزق بالنسبة إليهم، شجّعتهم على البقاء في السجن.. وبعد ذلك غادرت الغرفة غاضبا مع مجموعة صغيرة فيهم المنصف بن سالم.. وأنا كنت المفاوض الوحيد مع السلطة -لأنها ترفض التفاوض مع الحركة- حول المجموعة الأمنية التي غادرت كلها في ظرف سنة ونصف وعلى ثلاث دفعات.
وقد كذب المنصف بن سالم عندما ذكر بعد الثورة أنه المفاوض الأساسي في المجموعة الأمنية..
كيف غادر الغنوشي تونس في ماي 89؟
ـ خرج راشد الغنوشي في ماي 1989 في سيارة مراسم بعد أن التقى زين العابدين بن علي في القصر وبات ليلته في نزل الهناء الطابق الثالث بالعاصمة ورافقته سيارة المراسم الى الحدود الجزائرية..
هناك من يتحدّث اليوم عن تجاذب في حركة النهضة بين جماعة المهجر وجماعة الداخل؟
ـ ليس هناك تجاذب بل هناك نفور تام، فجماعة الداخل عاشوا الهانة والمهانة والمرض والسجون والملاحقة الأمنية بينما جماعة المهجر عاشوا الرفاهية من خلال تجميع التبرعات الخيرية التي كانوا يمتهنون بها التسوّل السياسي باسم المساجين الإسلاميين في تونس وعائلاتهم..
هل ترى اليوم أن حكومة النهضة تورّطت في الحكم؟
ـ راشد الغنوشي أخطأ قبل الثورة في خيار الصدام مع السلطة الذي جرّ الوبال على رفاقه.. وأخطأ بعد الثورة في توزيع الحقائب من باب المكافأة وليس الكفاءة.. وبالتالي ورطة الحكومة اليوم سببها راشد الغنوشي وليس حمادي الجبالي.. والحكومة التي وزّعت حقائبها حسب شرعية المنافي والسجون.. تنتظرها أسوأ الأيام.
علي العريض كيف تراه كوزير داخلية؟
ـ علي العريض، هو الانسان الاداري المتحزّب وقد احتوته وزارة الداخلية ولم يحتوها ولا يقدر شخص كالعريض أن يتقن التصرّف والأداء في وزارة الداخلية ما دامت المنظومة البوليسية ما زالت تعمل بقوة وهو ما ورّط حركة النهضة في استجلاب التجمعيين وابتزازهم بالملفات.
هاجمت محمّد عبو في رسالة شهيرة وجهتها لسليم حيمدان فكيف تقيّم أداء حزب المؤتمر الشريك في الحكم اليوم؟
ـ محمد عبّو مثال لمهزلة مناضل مزيف.. وأنا لا أعترف بأن هناك حزبا اسمه المؤتمر.. فهذا الاسم لا يوجد الاّ في عقل المرزوقي أما البقية فهم «الفضلات» النخبوية لحركة النهضة.. وأكذوبة الثورة حزب المؤتمر والتكتل والمجلس التأسيسي..
تقييمك لدور المرزوقي كمناضل وكرئيس دولة؟
ـ أنا أتحدّى أيّا كان أن يجد ملفا دافع عنه المنصف المرزوقي في رابطة الدفاع عن حقوق الانسان.. وليس له أداء يذكر في قصر قرطاج وهو دون صلاحياته.. ودوره اليوم يقتصر على ادارة حملة انتخابية بأموال الشعب..
هل تعتقد أن النهضة تنوي تسليم الحكم في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة؟
ـ لن تكون هناك انتخابات وان وقعت ستكون تحت ضغط خارجي..
ما هو حكمك على الظاهرة السلفية في تونس؟
ـ الحركة الجهادية أنشأها بن علي بقمعه للحركة الاسلامية فوجد الشباب ضالته في منابر القنوات الدينية الخليجية والظاهرة السلفية هي الجيل الثاني لحركة النهضة الذي شاهد المآسي التي تعرّض لها آباؤهم فنقم وغضب على السلطة ووجد نفسه حتى بعد الثورة مهمّشا.. وقد أصبحوا ضحية حتى للنهضة التي باتت تستعملهم كوقود محرقة لإرضاء الغرب..
ظاهرة حرق مقامات وأضرحة الأولياء.. كيف تحكم عليها؟
ـ سنمرّ الى درجة أخطر من استفزازات مشاعر المواطنين ومعتقداتهم وسيُعتدَى على مقابر اليهود والنصارى ومن ثمة معابد اليهود وكنائس النصارى، وهناك مسؤولون في الدولة لا يمكن لهم أن يعيشوا ويواصلوا تمعّشهم من غير أن يعيشوا دون «ثقافة الأزمة»..
كيف تنظر الى النقاشات الطويلة حول التحوير الوزاري اليوم؟
ـ حمادي الجبالي لم يعد يصلح لمواصلة المسار وما عليه الاّ تقديم استقالة جماعية للحكومة إلى المجلس التأسيسي.. فنحن لم نعد نثق في التحوير لأننا لا نثق في الحكومة ذاتها.


تابع القراءة ←

السبت، 26 يناير 2013

وهن السياسة و أوهام الساسة……


بقلم الدكتور محمد ضيف الله

كثرت في المدة القليلة الفارطة على الشبكات الاجتماعية “استطلاعات الرأي” ذات السؤال الوحيد: لمن ستصوت في الانتخابات القادمة؟ الإجابات هنا غير مهمة بقدر ما يهم طرح السؤال وتواتره، حيث أنه يعكس في جهة قلقا من “تحول ما” في اتجاهات الرأي العام، كما يعكس في الجهة المقابلة تشوقا لجني أرباح مثل ذلك التحول.
في هذا الخضم يراهن البعض على التصويت العقابي الذي جرت العادة في الأنظمة الديمقراطية أن تفقد بموجبه الأحزاب الحاكمة أغلبيتها، فتجبر على التخلي عن السلطة، إلا أن هذا لا يهم في الحقيقة إلا الأحزاب الكبيرة التي يكون توزيع الأصوات بينها متقاربا، فيتبادل الحزبان الأكبران موقعيهما، بتحول نسبة من ناخبي الحزب الأول إلى ملاحقه المباشر. ومن الأكيد هنا أن هذه الحالة لا تهم المشهد الحزبي التونسي الذي يهيمن عليه حزب سياسي واحد، للأسف. ومن الوهم تصور أن تصويتا عقابيا يمكن أن يزحزحه عن مكانته التي منحته إياها انتخابات 23 أكتوبر، حيث أنه بعيد جدا عن ملاحقيه. صحيح أنه قد يفقد نسبة من قاعدته الانتخابية، ولكن ذلك لا يمكن أن ينزل به إلى مرتبة دون الأحزاب الكبرى.
في المقابل من الوهم أيضا أن تتصور بعض الأحزاب أنها يمكن أن تقفز إلى الصدارة بضربة لازب، بمعنى أنه يمكن لها أن تقفز من نسبة دون 1% مثلا إلى ما يفوق الثلاثين بالمائة في الانتخابات القادمة، ذلك أن الواقعية تفترض أن “شعبية” أي من تلك الأحزاب، لو ازدادت مائة بالمائة، فإن نسبة ناخبيها تصل إلى 2%، وهو ما لا يمكنها من الخروج من سديم الأحزاب الصغيرة فضلا عن أن تصبح الرقم الأول في المشهد السياسي القادم. ولو تصورت خلاف ذلك، فهي تعبر عن إدقاع في الخيال السياسي، لا أكثر ولا أقل.
أما إن حاسبنا تلك الأحزاب على ما تطرحه فلا نكاد نجد في خطابها شيئا من برامج أو أطروحات، يمكن أن تحوّل نحوها جمهور الناخبين الغاضبين أو غيرهم، كما أن أفعالها وأقوالها لا تخرج عن المناكفات والتجاذبات، بما يجعل مسؤوليتها على تردي الأوضاع من جنس المسؤولية التي تعود على أحزاب الترويكا. وبالتالي فهي ستعاقب هي الأخرى مثلما ستعاقب الأحزاب الحاكمة، ولن تستفيد من أي تصويت عقابي، بحيث قد لا تتجاوز ما كانت حصلت عليه في الانتخابات الفارطة. والدليل على ذلك ما تلمسه هي نفسها -في كل مرة- من عجز على أن تنظم بمفردها تحركات شعبية فعلية، وهنا لا يعتبر اللجوء إلى اتحاد الشغل، إلا دليلا إضافيا على مثل ذلك العجز.
وبالتالي فإن التصويت العقابي، لو حصل، لا يمكنها أن تستفيد منه بصفة حاسمة، وإنما قد يؤول في ظل الثورات لحساب الثورة المضادة التي يلتقي تحت يافطتها من كانوا مستفيدين من النظام السابق، والذين كانوا بالنسبة للحالة التونسية، منتظمين في حزب التجمع المنحل. هؤلاء استفادوا حتى اليوم من تغاضي أحزاب الحكم عن محاسبتهم، وهاهم يستفيدون من تخلي باقي الأحزاب الثورية عن المطالبة بإقصائهم وربما التحالف الموضوعي معهم، بعدما كانت بالأمس تطالب بتطبيق شعارات الثورة إزاء التجمع والنظام البائد.
الأكيد أن الوهن صنو الوهم، والواقعية هي الخطوة الأولى للنجاح في السياسة.
د. محمد ضيف الله
المقال الأسبوعي ضمن ركن “في العمق”، جريدة الحصاد الأسبوعي، ع 66، 18 ديسمبر 2012
تابع القراءة ←

رسالة السلاينية إلى جرحاها


لأنكم رفعتم رؤوسنا بين الأمم, و بفضلكم سمع صوت سليانة في كل أنحاء الدنيا ..
لأنكم قاتلتم بعيونكم و صرختم صرخة راجل واحد في وجه المعتدين ..
لأنكم لم ترضوا الذل و المهانة, و كنتم أسوداً في دفاعكم عن حقنا في حياة كالحياة ..
نحن مدينون لكم ما حيينا، و سنرفعكم فوق رؤوسنا إلى أبد الدهر.

              

                               
تابع القراءة ←

ويكيليكس يفجر "قنبلة" من العيار الثقيل


سرب موقع "ويكيليكس" وثيقة جديدة تكشف أن الولايات المتحدة قدمت دعمًا ماليًّا لنظام بشار الأسد بقيمة خمسة مليارات دولار لمواجهة المعارضة؛ حيث تتخوف أمريكا من البديل في حال سقوط الأسد، وهو وصول الإسلاميين لسدة الحكم.
و تكشف الوثيقة طريقة تعامل الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه المأساة السورية بخذلان وتآمر كبير على الثورة السورية؛ حيث يدعم نظام الأسد سرًّا، في الوقت الذي لا يقوم فيه بتطبيق العقوبات عليه، كما و يمارس الضغوط على دول الخليج لمنعها من تسليح المعارضة السورية ومن جهته، صرح مسؤول في المعارضة السورية لصحيفة "صندي تايمز" أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية منعت خلال الأشهر العشرة الماضية وصول شحنات من الأسلحة الثقيلة المضادة للدبابات و الطائرات التي دأبت وحدات الجيش السوري الحر منذ زمن طويل على القول: إنها ضرورية في معركتها لإسقاط نظام الأسد.
و أكد عضو المجلس الوطني السوري خالد خوجة أن مخاوف الولايات المتحدة من سيطرة الإسلاميين لا أساس لها.

المصدر: الإخبارية التونسية
تابع القراءة ←

التجمع الدستوري الديمقراطي يعود كما ولدته أمه الى أوروبا وألمانيا




أذا كان التجمع الدستوري الديمقراطي بصدد العودة في تونس تحت لافتة جديدة مطعمة ببعض اصحاب المصالح وبأشكال مموهة ، فان نفس الحزب الذي جرع التونسيين الأمرين بصدد العودة الى أوروبا وخاصة المانيا ولكن بأشكال واضحة وبنفس العناصر القديمة ونفس الأساليب ، حيث لم يتغير منه الأ الاسم ، والذي يثير الجالية ويجعلها تتساءل عن أهداف الثورة هو هذه العناصر التي كانت ترصد تحركات المهجرين وتعد على الطلبة أنفاسهم وتمثل الهاجس المرعب لجاليتنا ، هذه العناصر التي اختفت عشية الثورة التونسية وشرعت لاحقا في الظهور المحتشم ، أصبحت اليوم تتصدر المشهد وتتصل وتنسق وتضخ الأموال تحت رعاية  عضو اللجنة المركزية المعروف في أواسط التونسيين بالمانيا
تابع القراءة ←

برقو الحال على ما هو عليه سنة تلو الأخرى ...


Photo : ‎قالوا: أتحبها ؟... قلت : بجنون ... قالوا : جميلة هي ؟ ... قلت : أكثر مما تتصورون ... قالوا : أين هي ؟ ... قلت : في القلب و بين الجفون ... قالوا: ما إسمها ... قلت: برقو ... و هي نور العين‎







معتمدية برقو رغم موقعها الاستراتيجي و ثراء مخزونها الطبيعي وخصوبة أراضيها الفلاحية وتوفر مقومات السياحة البيئية فيها مازالت تشهد ركودا اقتصاديا مزمنا.
رغم مرور سنتين من الثورة والمصادقة على ميزانيتين تبعتها أخرى تكميلية إلا أن الوضع يزداد سوءا والمواطن لم تقنعه المعطيات المتوفرة حول الاعتمادات المرصودة للمعتمدية بل يحاججك في كل مرة تحاوره فيها بمواصلة حكومة الثورة نهج المخلوع سوى بمنواله التنموي الفاشل أو بمسكناتها وبما توفره من أيام معدودات في الحضائر الظرفية أو الآلية.
يؤكد أهل المنطقة أن تجاهلهم من طرف الحكومة سنة تلوى الأخرى غير مفهوم فلا أشغال المنطقة الصناعية الموعودة ابتدأت و لا الطريق الوطنية رقم 4 حُسنت ولا طريق عين بوسعدية  أنجزت بالإضافة لحال أنهج تعاني من كثرة الحفر المنتشرة في أكثر من مكان و غياب شبه كلي للإنارة العمومية حيث ينتشر الظلام في أكثر من حي .
غير أنهم يعتبرون أهم المعضلة تتمثل في حرمانهم من عديد الإدارات الحيوية التي تجنيبهم مشقة التنقل إلى مدينة سليانة على غرار فرع بنكي وفرع للـ«ستاغ» والـ«صوناد» والكنام و محكمة ابتدائية ، هذه الإدارات الحكومية إن تمّ التفكير في بعثها بجدية ستساهم في استقطاب العشرات من المعطلين عن العمل في غياب منشئات صناعية قادرة على استيعابهم أو حتى برامج حكومية صادقة تساعد باعثي المشاريع الصغرى وتذلل التعقيدات والإجراءات الإدارية التي حالت دون انتصاب العديد منهم «فآلية اعتماد الانطلاق» التي وضعتها الوزارة لتذليل صعوبات التمويل بالنسبة للمشاريع الصغرى لم يقع تفعيلها إلى اليوم أمّا من تحصلوا على الموافقة المبدئية في الآونة الأخيرة فهم ينتظرون ما ستفضي إليه قرارات الوزارة.
تابع القراءة ←

الجمعة، 25 يناير 2013

كتاب «الثورة المصادرة.. هل ينقذ رفاق البوعزيزي ثورتهم ؟



هل ينقذ رفاق البوعزيزي ثورتهم من «المصادرة»؟ 

كتاب يرصد كرونولوجيا «الانتقال الديمقراطي» في تونسالمعطي قبال
المعطي قبال
يمثل كتاب «الثورة المصادرة.. بحث في الانتقال الديمقراطي بتونس»، لمؤلفه بيير بيشو، حصيلة سنة كاملة من التحري والتحقيق في قلب تونس،
عبر ولوج حميمية جسد الدولة التونسية، جس نبضها ومعاينة مرضها، بغية تقديم تشخيص أولي عن مسلسل الانتقال التونسي. وبصفته بانوراما لإعادة البناء السياسي التونسي، يوثق هذا الكتاب لرهانات مرحلة انتقالية أدت إلى انبثاق معسكرين -ليس معسكر العلمانيين الحداثيين ضد معسكر رجال الدين الرجعيين- بل معسكر الشرعية الثورية ضد معسكر المدافعين عن النظام البائد.. «معسكر المستقبل ضد معسكر الماضي».
لم تشهد المكتبة التونسية، بجميع اللغات، إصدارات بنفس الكثافة التي شهدتها منذ اندلاع ثورة الرابع عشر من يناير 2011. في زمان الطاغية بنعلي، كان وضع النشر والتوزيع في وضع مزرٍ ويعيش على تبعات الرقابة والمصادرة والقمع. بمعنى أن الكتاب كان أيضا ضحية الديكتاتورية.  لكن مع الثورة انفرجت الأوضاع نسبيا فبدأنا نلاحظ الترخيص لكتب ومنشورات عن تونس وعشيرة بنعلي كانت محظورة وكفيلة باقتياد قارئها أو مقتنيها إلى السجن.
هذا الكتاب حصيلة سنة كاملة من التحري والتحقيق في قلب تونس، ويغطي الفترة الواقعة بين يناير 2011 وربيع 2012. وقد أثرى المؤلف بحثه بالمقالات التي سبق أن نشرها بموقع «ميديابار» الإلكتروني، الذي يشغل به منصب محقق  عن المغرب العربي والشرق الأوسط منذ عام 2008. وسبق للمؤلف، وهو أحد الأوائل الذين رافقوا الثورة التونسية، أن نشر كتابا عام 2011 بعنوان «تونس، ثورة عربية» عن دار غالاد للنشر.
ثمة درس تاريخي هام يطرحه علينا الشعب التونسي منذ رحيل الطاغية بنعلي، هو  أن الثورة التونسية هي قبل أي شيء حكاية علاقة قوة مستدامة بين الشارع وبين المؤسسة القائمة بالأمس. مع العلم أن هذه الأخيرة هي دائما على استعداد للحفاظ على مكانها وامتيازاتها في تونس الجديدة. لما فر بنعلي لم تتغير الحكومة، بل تابعت ممارسة مهامها وكأن شيئا لم يحدث.  هنا يكمن الإشكال إذن في نوعية وطبيعة هذه الاستمرارية.
ماذا بعد؟ ما هو رد فعل الشعب تجاه هذا الوضع، الذي تحاول القوى الخفية الإبقاء عليه؟ الواضح أنه حتى مع وضعية الانتقال الديمقراطي بمجيء الإسلاميين إلى السلطة، فإن الشارع أو الشعب التونسي غير راض ولا يقبل بهذا النوع من التوافق. الواضح أن تونس تحررت من قبضة الطاغية المنبوذ، لكنها شعرت بأن ثورتها صودرت وقرصنت منذ اليوم الثاني للثورة.
ويعرف المؤلف بغائية مشروعه لما يكتب: «يطمح هذا الكتاب إلى ولوج حميمية جسد الدولة التونسية، جس نبضها، معاينة مرضها بغية تقديم تشخيص أولي عن مسلسل الانتقال التونسي.
وعليه يستحضر على لسان الرئيس السابق نفسه حلقات من التراجيكوميديا خلال فراره إلى السعودية، ويصف كواليس مناخ التخويف الذي اختلقته السلطات لكي تبقى على رأس السلطة. كما يقربنا، استنادا على وثائق رسمية، من  الميكانيزمات التي أدت إلى مصادرة الثورة التونسية.  كما يفصل الحديث في الصراعات المريرة التي دارت بين مختلف الأقطاب داخل وزارة الداخلية للقضاء على الأمن السياسي الذي لا يزال منتعشا.
وبصفته بانوراما لإعادة البناء السياسي التونسي، يوثق هذه الكتاب رهانات مرحلة انتقالية أدت إلى انبثاق معسكرين. ليس معسكر العلمانيين الحداثيين ضد معسكر رجال الدين الرجعيين كما تحاول أن تقنعنا بذلك فئة من «النخبة» المتعبة، التي «لوثتها» أفكار «المدرسة الفرنسية»، كما يقر بذلك منصف المرزوقي، المعارض الذي أصبح رئيسا، بل معسكر الشرعية الثورية ضد معسكر المدافعين عن النظام البائد، أو حسب تعبير عياض بن عاشور، مهندس الدستور التونسي لما بعد 14 يناير، «معسكر المستقبل ضد معسكر الماضي».
عام من وقائع الثورة
انغمس بيار بيشو لمدة عام كامل في تونس ما بعد الثورة، ليتابع المعركة التي خاضها الشعب التونسي لبناء ديمقراطيته المميزة، ليس فحسب الديمقراطية التمثيلية، بل ديمقراطية «ثرية»، حسب عبارة النقابي لمجيد الجابلي، عبر إعادة  تجديد ممارسة الانخراط الشعبي.  ويرسم الكتاب بورتريهات وينقل شهادات لأهم الفاعلين التونسيين. كما يبحث في قلب الجيش، الشرطة السياسية أو العدالة التونسية، ويقف أيضا عند الثورة السيمانطيقية، البلاغية، الثقافية والشعبية التي تمارس يوميا. ولربما حققت الثورة على مستوى المعجم والمنطق الدلالي واللغوي الشيء الكثير، لأنها تصبو إلى ابتكار كلمات جديدة لا علاقة لها بالعهد البائد لبنعلي.
رمزية 14 يناير
يبقى 14 يناير 2011 بالنسبة للتونسيين وبالنسبة للعديد من الشعوب أحد الأيام التاريخية الحاسمة لقرننا الحالي. شهد رحيل الطاغية بنعلي بعد 23 عاما من الحكم. كما شهد ولادة عهد جديد مليء بالوعود والآمال. وخلال عدة أشهر، لم يتسرب ولو خبر دقيق لتفسير ما وقع في ذلك اليوم. منذ نهاية شهر يناير 2011، راج تفسير أول يستند حصريا على مصادر مجهولة وبمنأى عن الحقيقة. كانت أسبوعية «لونوفيل أوبسيرفاتور» وراء نشر هذا الخبر بعنوان «الحكاية السرية لهروب بنعلي». تعطي هذه الرواية مصداقية كبرى لنظرية المؤامرة، التي حاكتها زوجة بنعلي وزوجة علي سرياتي، رئيس الحرس الشخصي لبنعلي. غير أن الرئيس التونسي المخلوع كذب شخصيا هذه الصيغة، كما كذبها وزير العدل. لكن الحكومة التونسية سخرت هذه الرواية لخلق مناخ من الرعب غداة الرابع عشر من يناير. في بيان أصدره بنعلي، فسر بأنه صعد إلى الطائرة رفقة زوجته وأبنائه، وأن علي سرياتي، المسؤول عن أمنه الخاص وأمن عائلته، طمأنه على عودته قريبا إلى تونس. أما الرواية الثانية فهي التي روجها علي سرياتي نفسه عند بداية محاكمته في 26 من يوليوز 2011 بتونس: «أيقنت منذ 12 يناير بأن سقوط بنعلي أصبح وشيكا، وأن البلد سيعرف فراغا دستوريا». وتابع روايته قائلا إن قوات البوليس والحرس الوطني سينزلون بالمظلات على مطار تونس-قرطاج.  وأضاف «حوالي الثالثة بعد الظهر دعاني بنعلي إلى مكتبه ليطلب مني تجهيز الطائرة الرئاسية للإقلاع بعائلته في السادسة في اتجاه العربية السعودية حيث ستبقى هناك إلى أن يهدأ الوضع. طلب مني مرافقتها في الرحلة. وبالمطار غير رأيه وقرر مرافقتها بنفسه والعودة إلى تونس في الغد». روايتان، وإن كانت صادرة عن المعنيين الرئيسيين هذا اليوم، تبقيان مع ذلك ناقصتين ولا يمكن التأكد من صحتهما لأنهما غير مقنعتين.
لكن عدة تحقيقات، من بينها تلك التي قام بها بيار بيشو نفسه، والتي نشرها على موقع «ميديابار» الإلكتروني، كشفت تدريجيا عما أسماه الجميع بتونس «قضية المطار». أول مساعدة جاءت من الكولونيل سمير الطرهوني، رئيس فرقة محاربة الإرهاب بالشرطة الوطنية. ذلك أنه خلال ندوة صحافية عقدها هذا الأخير في 8 غشت 2011،  قدم روايته في مسألة الرهائن، التي قادت إلى رحيل بنعلي. وهي رواية تناقض رواية علي سرياتي. وحسب الأخبار التي بحوزة بيار بيشو، فإن الكولونيل قرر عقد هذه الندوة بعد أن علم أن عماد الطرابلسي أخ ليلى بنعلي، قرر تصفية العائلة. كان من آثار هذه الندوة أن أجهضت أيضا الصيغة الرسمية القائلة بأن آل الطرابلسي ألقي عليهم القبض من طرف الجيش بعد مغادرة بنعلي تونس ليلة 14 يناير.  يدخلنا الباحث في عالم مافياوي شبيه بأفلام آل الكابون أو العراب.
وثائق ومستندات القضاء التونسي
المعروف أن الأمن الوطني التونسي يتكون من أربع وحدات خاصة، من بينها فرقة محاربة الإرهاب التابعة للأمن الوطني والوحدة الخاصة للحرس الوطني. هاتان الوحدتان هما اللتان رافقتا بنعلي في السابع نوفمبر خلال عمليته الانقلابية. ومنذ ذلك التاريخ بقيت فرقة محاربة الإرهاب في الظل ولم تتدخل إلا نادرا، اللهم في المهمات الصعبة. بالإضافة إلى رواية الكولونيل طرهونة، فإن المصدر الرئيسي الثاني الذي يعتمد عليه هذا التحقيق هو القضاء التونسي. إذ أن جزءا مهما من الوثائق المستعملة لإعادة صياغة ظروف يوم 14 يناير بتونس منتقاة من ملف التحقيق الصادر عن المحكمة العسكرية، التي تابعت إفادة قسم من جلسات الاستماع، التي قادها القضاء المدني، بما فيها جلسة الاستماع إلى علي سرياتي المدير السابق للأمن الرئاسي.
 في صبيحة الجمعة من الرابع عشر من  يناير، تواجد بقصر قرطاج 28 من أعضاء عائلة الطرابلسي، المقربين من ليلى الطرابلسي. في ذاك الوقت كان ملايين التونسيين يتظاهرون أمام وزارة الداخلية، وكان البعض الآخر يهاجم الفيلات التي كان يقطنها أعضاء العائلة. وبما أن أمنهم الشخصي أصبح غير مضمون، قرر المسؤول عن الأمن الرئاسي، علي سرياتي، أن يرحلهم عن تونس في اتجاه مدينة ليون بفرنسا على متن الرحلة المقررة في الثالثة بعد الزوال. الوحيد الذي قرر الرحيل على متن باخرة هو بلحسن الطرابلسي (أخ ليلى الذي يوجد اليوم في حالة فرار بكندا).
ظلال كثيفة حول روايات متضاربة
في صبيحة يوم الجمعة، تحدث علي سرياتي إلى بنعلي ليخبره بأن «28 شخصا لقوا حتفهم خلال أربع وعشرين ساعة، من بينهم شخصان بتونس. وتضمن التقرير الذي قدمه علي سرياتي لبنعلي تفاصيل عن الهجومات، التي تعرضت لها مراكز الشرطة وسرقات للسلاح واستعدادات المتظاهرين للخروج إلى الشارع الخ...». كان هذا مفصل الرواية التي قدمها علي سرياتي خلال محاكمته. أما الرئيس المخلوع فبعث برسالة عبر محاميه أكرم أزوري إلى «ميديابار» يقدم فيها رواية أخرى مختلفة بعض الشيء، لكنها   تقدم توضيحات إضافية: «في صبيحة يوم الجمعة 14 يناير تقدم علي سرياتي إلى مكتب الرئيس ليخبره بأن الوضع بالعاصمة تونس خطير للغاية وأصبح منفلتا وبأنه يتوجب عليه إجلاء عائلته في الحين وبأن قصر قرطاج وإقامة سيدي بوسعيد محاصرين من طرف عناصر مناهضة للنظام تنتمي إلى قوات الأمن. وعين له قاربين بحريين يجوبان البحر بين القصر والإقامة وطائرة هيلكوبتر تحلق فوق المنطقة. وأضاف بأن ما قيل في مسألة تصفية بنعلي من طرف عميل ينتمي إلى الأمن أكدته استعلامات بلد صديق، لكن دون ذكر اسم العميل ولا اسم البلد. وقد ألح على الرئيس بأن يسمح لزوجته وأبنائه بمغادرة البلد في أقرب وقت. وأمام تدهور الوضع وإلحاح علي سرياتي قبل الرئيس بأن تغادر عائلته تونس في اتجاه مدينة جدة» توضح الرسالة.
مثل هذا التضارب في الروايات لازمة أو خصيصة تدمغ تاريخ الثورة التونسية. فعلي سرياتي، الذي أودع السجن لا يزال يحتفظ بالكثير من الأسرار. وليس على استعداد للبوح بهذه الأسرار. يتساءل اليوم التونسيون عن تماطل العدالة في محاكمته على خلفية ضلوعه في القمع وهندسته للنظام القمعي. هل خوفا من توريطه لشخصيات غيرت معطفها بسرعة بعدما كانت في السابق تعمل مع النظام؟
في بداية ديسمبر، اتصل بيار بيشو هاتفيا بعلي سرياتي،  الذي لا يزال سجينا في ثكنة «لعوينة» لمحاورته. وعن سبب مساهمته في دواليب ديكتاتورية سحقت شعبا لمدة 23 سنة، برأ سرياتي نفسه من جميع التهم، مشيرا إلى أنه قدم استقالته للرئيس بنعلي، لكنه رفضها. كما ذكر بأنه أثار انتباهه إلى شطط عائلته وعائلة زوجته، غير أنه لم يهتم بنصائحه ولا بتحذيراته.
الأسرار الدفينة لوزارة الداخلية
يسلط البحث أضواء قوية على وزارة الداخلية التي تخبئ ولا زالت الكثير من الأسرار عن النظام البائد وعن الفاعلين السريين الذين لا يزال بعضهم يعمل في الخفاء. وقد سعى سمير فرياني، وهو مفتش سام أشرف على مركز تكوين الشرطة، إلى نفض بعض أسرار المؤسسة وأدى ثمن ذلك باعتقاله من طرف أعضاء من فرقة محاربة الإرهاب. وقد نشر مقالين بمجلة «الخبير» يشير فيهما إلى أن بعض الضباط الذين كانوا في خدمة النظام قبل 14 يناير لايزالون يعملون بالوزارة، بل الأدهى من ذلك تمت ترقيتهم. وقد تعرف بيار بيشو على أحدهم في شخص ياسين الطيب، الذي قاد حملة القمع في قصرين وسيدي بوزيد أيام بنعلي. وقد تمت ترقيته بعد رحيل الطاغية ليصبح مديرا عاما للأمن العمومي! بعد بنعلي لا يزال نظامه على الأقل في بعض دواليب وزارة الداخلية قائما.  من جهة أخرى، كشف سمير فرياني في مقال آخر عن تدمير أرشيفات منظمة التحرير الفلسطينية خوفا من الكشف عن تورط أجهزة البوليس والاستعلامات التونسية مع أجهزة الموساد الإسرائيلية. إذ سبق لإسرائيل أن حاولت اغتيال ياسر عرفات لما كان في تونس، فيما نجحت في اغتيال أبو جهاد، بتواطؤ مع الاستعلامات التونسية. لذا، فإن عملية تنظيف الساحة بتدمير الوثائق كانت لتبرئة ذمة المتورطين مع الموساد.
2013..  سنة الحسم
الرهانات السياسية، الاقتصادية، الثقافية والاجتماعية المطروحة على تونس ما بعد الثورة جسيمة وفيها الكثير من المخاطرات. أولاها تكمن في التمايز الجغرافي بين الجهات والمناطق. ذلك أن التونسي لا يتوفر على نفس الإمكانيات والمؤهلات إن هو ولد ونشأ في قفصة، تونس، جندوبة، أو سوس. على المشروع الثوري التونسي إذن أن يمسح ويلغي هذه التمايزات. إنه الشرط الذي سيمكن الثورة التونسية من الدوام ومن التغلب على العوائق الخفية للنظام القديم. في 2013 ستكون تونس على موعد ليس فحسب مع دستور جديد، بل أيضا على موعد مع الطموح إلى الإبقاء على ديمومتها الاقتصادية والاجتماعية. فهل ستنجح في ذلك؟ يتساءل بيار بيشو. 
تابع القراءة ←
;